كشفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، استنادًا إلى وثائق سرّية مسرّبة ومصادر استخباراتية، عن وجود شبكة تعاون عسكري واستخباراتي واسعة النطاق جمعت بين إسرائيل وست دول عربية خلال السنوات الثلاث الماضية، وعلى نحوٍ خاص خلال الحرب الإسرائيلية على غزة.
وبحسب التقرير، فإن الدول الست — وهي الأردن، السعودية، مصر، البحرين، الإمارات، وقطر — شاركت بدرجات متفاوتة في ما وصفته الصحيفة بـ"الهيكل الدفاعي الإقليمي السري" أو ما يُعرف داخل الأوساط الأميركية باسم "البناء الأمني الإقليمي".
كما أُدرجت الكويت وسلطنة عُمان ضمن قائمة الشركاء المحتملين مستقبلاً.
تعاون سري رغم الإدانة العلنية
أوضحت الصحيفة أن هذا التعاون تواصل في الخفاء رغم المواقف العلنية المنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة، حيث حافظت حكومات عربية على قنوات اتصال عسكرية واستخباراتية مباشرة مع تل أبيب، تحت إشراف القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM).
وتشير الوثائق إلى أن الشبكة تأسست بهدف مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة، وتعزيز التنسيق الدفاعي ضد الصواريخ والطائرات المسيّرة التي تُتهم طهران ووكلاؤها بإطلاقها من اليمن وغزة ولبنان.
وقالت الصحيفة إن واشنطن وصفت هذا الهيكل بأنه جزء من جهودها لخلق ما تسميه "شرق أوسط آمن ومزدهر"، بينما اعتبر مراقبون أن المبادرة تمثل نواة تحالف عسكري غير معلن بين إسرائيل وعدد من الأنظمة العربية.
اجتماعات سرّية وتدريبات مشتركة
تشير الوثائق المسرّبة إلى أن الاجتماعات كانت تُعقد تحت غطاء من السرية التامة، مع أوامر تمنع التصوير أو التواصل مع الإعلام، وحتى تحديد قوائم الطعام بما يراعي "القيود الدينية" — إذ حُظر تقديم لحم الخنزير أو المحار في تلك اللقاءات.
وشملت القمم والتدريبات مواقع متعددة في البحرين والأردن وقطر ومصر، إضافة إلى تدريبات ميدانية في قاعدة العديد الجوية بالدوحة وفورت كامبل في ولاية كنتاكي الأميركية.
ومن بين تلك الأنشطة، تدريب دولي في مصر في سبتمبر الماضي شاركت فيه قوات من الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية والأردن ومصر وقطر إلى جانب دول غربية أخرى مثل اليونان والهند وبريطانيا.
وتضمن التدريب مناورات حول كشف الأنفاق وتدميرها — وهي التقنية التي تعتمدها إسرائيل ضد أنفاق المقاومة في غزة — ما اعتبره محللون دلالة واضحة على التقاطع العملياتي بين جيوش عربية وإسرائيلية.
ربط الأنظمة الدفاعية والرادارية
منذ عام 2022، بدأت الدول المشاركة في دمج أنظمة رادارها وأجهزة الاستشعار الخاصة بها ضمن شبكة أميركية موحدة لمواجهة التهديدات الصاروخية الإيرانية.
كما استخدمت جميع الأطراف منصة دردشة مشفّرة للتنسيق الفوري مع القيادة الأميركية وحلفائها، وفق ما كشفت عنه الوثائق.
وتنص الخطط المستقبلية على إنشاء "مركز سيبراني للشرق الأوسط" ومركز دمج معلومات إقليمي، لتبادل البيانات بشكل لحظي وتدريب خبراء عرب وإسرائيليين على الدفاع الرقمي المشترك.
السعودية في موقع القيادة
بحسب الصحيفة، أدت السعودية دورًا محوريًا في هذا التحالف غير المعلن، إذ قدّمت لإسرائيل وجيرانها العرب معلومات استخباراتية دقيقة عن نشاطات في سوريا واليمن وتحركات تنظيم داعش.
كما استضافت الرياض اجتماعات مغلقة تناولت التهديدات الإقليمية، وشارك فيها مسؤولون عسكريون من الولايات المتحدة وإسرائيل وعدة دول عربية.
وفي أحد الاجتماعات التي عُقدت في يناير الماضي بقاعدة فورت كامبل، جرى التدريب على تحييد الأنفاق الهجومية، وهو نفس التكتيك الذي تستخدمه القوات الإسرائيلية حالياً في غزة.
توتر داخل المنظومة بعد غارة إسرائيلية في الدوحة
ولم تخلُ العلاقة من التوترات. فقد شهدت المنظومة السرّية أزمة حادة الشهر الماضي، بعد غارة جوية إسرائيلية استهدفت مسؤولين من حماس في الدوحة، ما أثار غضب قطر التي تُعدّ الوسيط الرئيسي في ملفات غزة، وأحد الشركاء الفاعلين في المشروع الدفاعي السري.
وذكرت الصحيفة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اضطر للتدخل والضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للاعتذار لقطر والتعهد بعدم تكرار الحادثة.
“العيون الخمس” والبعد العالمي
الوثائق المسرّبة وزّعت كذلك على أعضاء تحالف “العيون الخمس” الاستخباراتي، الذي يضم الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، وأستراليا، ونيوزيلندا، ما يعكس البعد الدولي للمبادرة ومشاركة أجهزة استخبارات كبرى في مراقبة وتنسيق أنشطة الشرق الأوسط الدفاعية.
وتُظهر خرائط "CENTCOM" المرفقة في الوثائق تهديدات صاروخية من غزة واليمن، مع توصيف إيران ووكلائها على أنهم "محور الشر" في الاستراتيجية الأميركية.
ازدواجية المواقف الرسمية
رغم حجم التعاون العسكري الموثق، شددت الوثائق على أن هذا الهيكل "لا يُمثل تحالفًا رسميًا"، وأن السرية جزء أساسي من بقائه.
ومع ذلك، استمر القادة العرب في انتقاد إسرائيل علنًا؛ فقد وصف أمير قطر حرب غزة بأنها "حرب إبادة"، بينما اتهمت السعودية إسرائيل بـ"التطهير العرقي وتجويع الفلسطينيين"، في حين كانت أجهزة البلدين تشارك في ذات الوقت في مناورات وتبادل معلومات مع تل أبيب.