تحت شعار لافت "جيل زد قادم"، برزت خلال الأيام الأخيرة في شوارع القاهرة الكبرى كتابات ورسومات جرافيتي، خطّها شبان مجهولون على جدران وجسور ومحطات المترو، حاملة توقيع "Z". ورغم بساطتها، فإن هذه الرسائل القصيرة لم تُقرأ كظاهرة فنية عابرة، بل بدت كأصداء مباشرة لانتفاضة "جيل زد" في المغرب، التي تجاوزت صداها المحلي لتصل إلى قلب العاصمة القاهرة.


 

من الرباط إلى القاهرة.. الهتاف يتنقل عبر المتوسط

لم تعد احتجاجات جيل زد في المغرب حدثاً محصوراً في سياق اجتماعي أو اقتصادي داخلي، بل تحولت إلى إشارة إنذار إقليمية أربكت أنظمة المنطقة، وفي مقدمتها سلطة عبدالفتاح السيسي.

 

جيل رقمي بلا وصاية

ما يثير قلق الأنظمة ليس فقط اتساع رقعة الاحتجاجات أو سقف المطالب، بل جوهر الحراك نفسه. فجميع المؤشرات تؤكد أن جيل زد هو جيل رقمي بامتياز، لا يعترف بالوصاية ولا يحتاج إلى مؤسسات تقليدية للتعبير عن ذاته.

ينطلق هذا الجيل من فضاءات غير مألوفة بالنسبة للسلطات، تبدأ غالباً من منصات الألعاب الإلكترونية، قبل أن تمتد إلى ساحات الواقع والميادين العامة. ويرى أن التغيير فعل مباشر لا يحتاج إلى تفويض ولا ترخيص، ما يجعل التعامل معه أكثر تعقيداً من الأجيال السابقة التي كانت تتحرك عبر قنوات معروفة كالأحزاب أو النقابات أو الإعلام الرسمي.

 

ثقل ديموغرافي متصاعد في المغرب ومصر

الأرقام تعكس ثقل "جيل زد" داخل المشهد الديموغرافي للبلدين:

في المغرب: تشير بيانات الإحصاء العام لعام 2024 إلى أن عدد الشباب بين 15 و29 عاماً يبلغ 8.2 ملايين نسمة من أصل 36.8 مليوناً، أي نحو 25% من إجمالي السكان.

في مصر: يكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد الشباب في الفئة العمرية نفسها يصل إلى 21.3 مليون نسمة، بنسبة 19.9% من إجمالي السكان، بينهم 51.9% ذكور و48.1% إناث.
أما الفئة من 15 إلى 24 عاماً فتضم نحو 18.8 مليون شاب يمثلون 17.5% من السكان.

لكن رغم هذا الثقل البشري، فإن نصيب الشباب من الخدمات الأساسية يبدو ضئيلاً. فالدستور ينص على تخصيص 7% من الناتج المحلي للصحة والتعليم، بينما لا يتجاوز الإنفاق الفعلي 2.7% فقط، بحسب تقديرات مستقلة. ونتيجة لذلك، تراجعت جودة التعليم إلى مراتب متأخرة، إذ تحتل مصر المرتبة 95 عالمياً وفق مؤشر منتدى دافوس، بينما ذهبت تقارير أخرى إلى أنها وصلت إلى المرتبة 139، وهو ما نفته وزارة التعليم رسمياً.

 

 

بطالة وفقر.. مستقبل غامض لجيل كامل

الأزمة الاقتصادية تضيف طبقة جديدة من القلق. فمعدل البطالة في مصر بلغ 6.1% خلال الربع الثاني من عام 2025، بعدد عاطلين تجاوز 2.05 مليون شخص من أصل 33.6 مليوناً في سوق العمل.
أما معدلات الفقر، فوفق "بحث الدخل والإنفاق" لعام 2020 فقد وصلت إلى 29.7%، وارتفعت في بحث 2021/2022 (الذي لم يُنشر رسمياً) إلى 34%. وهذا يعني أن نحو 34 مليون مصري يعيشون بدخل لا يتجاوز دولاراً واحداً يومياً (47.6 جنيهاً).

في ظل هذه الأوضاع، يواجه جيل كامل مستقبلاً غامضاً، تتقاطع فيه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية مع انسداد الأفق السياسي.

 

من هم أبناء جيل زد؟

وفق تعريف مركز "بيو" للأبحاث، يضم مصطلح "الجيل زد" من وُلدوا بين 1997 و2012. أي أن هذه الفئة نشأت في عالم رقمي بالكامل، حيث الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي ليست مجرد أدوات بل امتداد للهوية.

هذا الجيل الذي تربى على اللغات الرقمية والفضاءات المفتوحة، لا يبدو قابلاً للاحتواء بالقوالب التقليدية، ما يجعله "القادم المجهول" بالنسبة إلى الأنظمة التي تراقب تحركاته عن كثب، سواء في الرباط أو القاهرة أو غيرهما.