خلال أشهر 2025، تفجّر خلاف حقيقي لكنه صامت بين القاهرة من جهة، والرياض وأبوظبي من جهة أخرى، حول طريقة إدارة مفاوضات وقف النار وإعادة الإعمار في غزة.
صحيفة "الأخبار" اللبنانية نقلت عن مسؤول مصري (لم يُسمَّه) أن خلافات نشبت بشأن آليات التفاوض مع الجانب الإسرائيلي، وأن القاهرة تحركت منفردة وأبلغت لاحقًا الرياض وأبوظبي بنتائج محادثاتها، ما أدى إلى توتر ملحوظ في ترتيب البيانات الرسمية وتأخّر تسلسل الأسماء في إصداراتها.
هذا الخلاف ليس مجرَّد نفخ في قشة إعلامية، بل انعكاس لصراعات مصالح حقيقية بين عواصمٍ إقليمية ومحور دبلوماسي هش.
أوجه الخلاف.. الشروط وآليات المشاركة في إعادة الإعمار
الخلاف الأساسي يدور حول شرط الرياض وأبوظبي لربط أي دعم مادي بشروط سياسية؛ نزع سلاح حماس أو استبعادها تمامًا من أي حكومة انتقالية في غزة قبل البدء بعمليات الإعمار.
تقاريرٍ متعددة أشارت إلى أن السعودية والإمارات اشترطا نزع السلاح كقيد للمشاركة المالية والعملية، بينما سعت القاهرة لصيغة أكثر مرونة ترى أن استبعاد حماس عمليًا مستحيل بسبب حضورها الشعبي والسياسي في الشارع الفلسطيني.
هذا التعارض في الأهداف تحول إلى عقبة أمام إطلاق حزمة مساعدات أو آليات تنفيذية متفق عليها.
اتهامات متبادلة.. دعم حماس أم إدارة واقعية للصراع؟
مصادر سعودية وإماراتية، بحسب تقارير إخبارية، اتهمت القاهرة بدعم حماس أكثر مما ينبغي أو التساهل معها، في مقابل موقف مصري يؤكد أن استبعاد الحركة عن أي حل عملي أمر غير واقعي، في ظل تواجدها الشعبي وهيمنتها على مؤسسات قطاع غزة.
هذه الاتهامات ليست شكليات؛ كانت لها انعكاسات على مستوى التعاون الأمني وتمرير ملفات إعادة الإعمار، وأدت لتجميد أو تأخير في نقل تمويلات أو تنسيق لوجستي على الأرض.
على مستوى الخطاب العام، بدا أن الدول الخليجية ظلت تمارس ضغوطًا لتقليل دور حماس بينما حاولت القاهرة تحاشي تفجير الشارع الفلسطيني دفعة واحدة.
يشدد خبراء عسكريون على أن نزع سلاح حماس من غزة يشكل خسائر استراتيجية للجيش المصري، خاصة في ظل القيود التي تفرضها اتفاقية كامب ديفيد على وجود الجيش المصري في سيناء.
فحماس هنا تلعب دور قوة موازنة عسكرية بما تمتلكه من ترسانة صواريخ تفوق خمسة عشر ألف صاروخ، وشبكة أنفاق تمتد لنحو 500 كيلومتر، وهو ما يعزز من ردع الاحتلال وحماية العمق المصري بصورة غير مباشرة.
متى بدأ الخلاف يظهر علنًا؟
يمكن تتبُّع بروز الخلاف في التقارير الإعلامية من فبراير - مارس 2025، مع استمرار ظهور تفاصيله في صيف 2025 (تقارير 25 فبراير و1 أغسطس و3 مايو 2025 تناولت مواقف متضاربة حول شروط إعادة الإعمار ونزع السلاح).
في 25 فبراير 2025 ظهرت تقارير أن السعودية والإمارات قيدتا مشاركتهما بشرط نزع السلاح، بينما لاحقًا في 1 أغسطس 2025 نقلت وسائل إعلام عن مبادرات مصرية تقترح صيغًا بديلة تسمح بدمج عناصر هادئة من القطاع في مؤسسات انتقالية لقاء تنازلات أمنية وسياسية.
بشكل عام، محادثات القاهرة منذ 2023 تضمنت عدة جولات تفاوضية غير مباشرة مع تقلبات وتباينات في المواقف، لكنها بقيت مركزية في جهود الوساطة لإنهاء التصعيد في غزة.
منذ عام 2023، كانت محادثات القاهرة مع إسرائيل محورية في جهود وقف الحرب في غزة، ومرت بمراحل عدة رئيسية:
- أكتوبر 2023: بدأت المحادثات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس بمبادرة مصرية في شرم الشيخ، بالتزامن مع اندلاع حرب استثنائية إثر هجوم حماس في 7 أكتوبر، وركزت على وقف إطلاق نار مؤقت ودائم، وتبادل الأسرى، وصفقة للإفراج عن المحتجزين.
- 2024-2025 : شهدت هذه المفاوضات تقلبات وضغوطًا مستمرة، بينها رفض إسرائيلي للبعثة الدولية المقترحة، وخلافات على نقاط مثل نشر قوات إسرائيلية على محور فيلادلفيا جنوب غزة.
التقاء مسؤولين أمنيين إسرائيليين مع رئيس المخابرات المصرية أسهم في المناقشات، مع تدخل أمريكي عبر مستشار الرئيس بايدن بريت ماكغورك. - أكتوبر 2025: انطلقت جولة جديدة من المحادثات في شرم الشيخ لتطبيق خطة وقف الحرب الممتدة عامين، مع استمرار تعقيد المفاوضات بسبب مواقف حماس ورفض شروط إسرائيلية معينة.
هذه التواريخ مهمة لأن كل يوم تأخير يعني مزيدًا من تدهور الوضع الإنساني في غزة وتكريس حالة فراغ مؤسساتي.
أثر الخلاف على الأمن القومي المصري والمصالح الإقليمية
خطر استراتيجي واضح، مصادر مصرية ومحلية تؤكد أن نزع السلاح من القطاع سيؤثر على ما تُسَمِّيه القاهرة بالأمن القومي المصري، خصوصًا حدود رفح ومخاوف تدفق نازحين وانهيار مؤسسات أمنية على الحدود.
بالمقابل، خطط الرياض وأبوظبي لربط الإعمار بنزع السلاح تهدف إلى ضمان أن إعادة الإعمار لا تعيد إنتاج قدرات عسكرية لدى فصائل مسلحة.
النتيجة: مصر في موقع وساطة لكنها تواجه اتهامات متعددة تُضعف من مصداقيتها لدى شركائها الخليجيين وتقلّص هامش المناورة السياسي لقائد الانقلاب العسكري.
لماذا تفشل القاهرة؟ عوامل داخلية وسياسية
الفشل المصري يعكس تناقضات داخلية؛ الاعتماد على المؤسسة العسكرية في السياسة الخارجية، ضعف المؤسسات المدنية الدبلوماسية، وتوجيهات من أعلى تقرر التعامل بمنطق أمنِي بدلاً من دبلوماسي متدرج، هذا أسهم في إخراج القاهرة إلى مسار منفرد، حين يكون التنسيق الجماعي أفضل للحفاظ على مصالح عربية موحَّدة، بدلًا من إدارة تنسيقٍ حكيم مع الرياض وأبوظبي، ظهر قرار القاهرة كتحرك انفرادي أثار غضب شركائها.
الخلاف الصامت بين القاهرة والرياض وأبوظبي ليس مجرد سجال كلامي بل نتيجة تراكمية لسياسات إقليمية متنافرة وفشل إدارة مصرية في التوافق مع الشركاء، هذا يبرهن أن سياسة التحكّم الأمني التي يقودها قائد الانقلاب العسكري أخفقت في تحويل مصر إلى وسيط قادر وموثوق.