تتواصل الاحتجاجات في حيّ ميناء العريش بمحافظة شمال سيناء، حيث يرفض الأهالي عمليات الإزالة التي تستهدف منازلهم وأراضيهم لصالح مشروع توسعة ميناء العريش.
وبينما تصرّ السلطات على المضي قدماً في تنفيذ القرارات الصادرة بقرارات رئاسية، يتمسّك السكان بحقوقهم في السكن والتعويض العادل، وسط شعور عارم بالخذلان من الوعود الحكومية السابقة التي لم تُنفَّذ.

 

احتجاجات يومية تحت الحصار الأمني
يتجمّع المتضرّرون بشكل يومي أمام منازلهم، في محاولة لمنع الجرافات والآليات الهندسية التي ترافقها قوات أمنية مشدّدة، تقدَّر بمئات العناصر. مشاهد الهدم تتم أمام أعين السكان، حيث تُزال البيوت تباعاً في وقت قصير، بينما يحاول الأهالي الاحتجاج عبر الهتافات والتنديد، لكنهم يواجهون التهديد بالاعتقال الفوري في حال استمرارهم.

نوار (اسم مستعار)، أحد سكان الحي، يؤكد أنّ التعويضات التي تعرضها السلطات "غير عادلة على الإطلاق"، إذ لا تعادل القيمة السوقية الفعلية لمنازلهم، فضلاً عن كونها لا تكفي لإيجاد بدائل سكنية داخل مدينة العريش التي تشهد ارتفاعاً في أسعار الأراضي والعقارات. وأضاف: "لقد وعدونا سابقاً بأننا لن نُخرج بالقوة، لكن الواقع اليوم أن الجرافات تهدم منازلنا وممتلكاتنا وهي لا تزال بداخلها".
 

الدولة: المشروع ضمن "المصلحة العليا"
من جانبه، أوضح مصدر مسؤول في مجلس مدينة العريش أن توسعة الميناء مشروع استراتيجي يخضع لإشراف وزارة الدفاع بشكل مباشر، فيما تقوم المحافظة والأجهزة المدنية بمهام التنفيذ والإخلاء، مؤكداً أن القرارات الرئاسية حدّدت الأراضي المحيطة بالميناء كأراضٍ ذات نفع عام. وأضاف المصدر أنّ التعويضات جرى صرفها لبعض الأهالي ممن قبلوا الإخلاء، وفق تقديرات رسمية لمساحة المنازل والأراضي.

لكن الغالبية ترى أن تلك المبالغ "هزيلة" مقارنة بحجم الخسائر. وتشير تقديرات محلية إلى أن التوسعة أدّت حتى الآن إلى هدم أكثر من 1100 مبنى سكني، إضافة إلى 32 محلاً تجارياً و23 منشأة حكومية وخدمية.
 

وعود لم تتحقق
الأزمة الحالية تعود جذورها إلى عام 2023 حينما تعهّد وزير النقل كامل الوزير، استناداً إلى توجيهات عبد الفتاح السيسي، بتعويض عادل للأهالي وضمان عدم إخراجهم قسراً. لكنّ تصريحات الوزير لم تجد طريقها إلى التطبيق العملي، بحسب ما يصفه السكان. بل على العكس، تحوّلت عمليات الإزالة إلى أمر واقع مدعوم بالقوة الأمنية، وسط شعور الأهالي بأن وعود الدولة لم تكن سوى "ذرّ للرماد في العيون".
 

مشروع استراتيجي على حساب الأهالي
بدأت الدولة مشروع تطوير ميناء العريش بقرار رئاسي قضى باعتباره "منطقة ذات نفع عام" وتحويل تبعيته بالكامل إلى وزارة الدفاع، مع استبعاد الهيئة الاقتصادية لقناة السويس من إدارته. المشروع يهدف إلى تحويل الميناء إلى بوابة رئيسية لتصدير خامات سيناء التعدينية للأسواق الدولية، وهو ما تعتبره الحكومة خطوة لتعزيز التنمية الاقتصادية.

لكن محللين يشيرون إلى أنّ اختيار موقع الميناء للتوسعة جاء على حساب الحيّ السكني الوحيد الباقي على ساحل شمال سيناء، في وقت كان يمكن فيه اللجوء إلى بدائل أخرى مثل منطقة "الكيلو 17" التي تتمتع بامتدادات ساحلية تسمح بإنشاء ميناء جديد دون تهجير مئات العائلات.
 

رسائل استغاثة بلا صدى
على الرغم من المناشدات المتكررة، بما في ذلك رسائل مصوّرة من أطفال الحي الذين طالبوا بعدم طردهم من منازلهم، تواصل السلطات تنفيذ قرارات الهدم بلا هوادة. ورغم تصريحات عبدالفتاح السيسي، في وقت سابق بأن "ما يجري من أجل مصلحة الأهالي والبلد"، فإنّ السكان يؤكدون أنّ ما يواجهونه اليوم من فقدان منازلهم وممتلكاتهم لا يترجم إلى أي "مصلحة"، بل إلى مأساة إنسانية ومعيشية قد تمتد لسنوات.