أعلن المجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، خلال اجتماعه في باريس، عن فوز المرشح المصري خالد العناني بمنصب المدير العام للمنظمة، خلفاً للفرنسية أودري أزولاي.
وبحسب وكالة الأنباء المصرية الرسمية، فقد حصل العناني، وزير السياحة والآثار الأسبق، على 55 صوتاً من أصل 58، مقابل صوتين لمنافسه الكونغولي إدوارد فيرمين ماتوكو، فيما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت. ويُعد العناني أول مصري وعربي يتولى هذا المنصب منذ تأسيس المنظمة عام 1945.
لكن هذا الفوز، الذي اعتبرته سلطات عبد الفتاح السيسي، نصراً سياسياً ودبلوماسياً بارزاً، يواجه على الجانب الآخر سلسلة من الانتقادات والاتهامات التي تضع علامات استفهام كبرى حول شخص العناني وسجله السابق في إدارة الآثار المصرية.
اتهامات بالفساد وتهريب الآثار
منذ أن تولى خالد العناني وزارة السياحة والآثار، تصاعدت التقارير الإعلامية والبحثية التي تتحدث عن تورطه في تسهيل عمليات تهريب قطع أثرية نادرة.
وبعض التقارير أشارت إلى وجود تنسيق بينه وبين جهات أمنية عليا لتسهيل خروج القطع الأثرية، فيما ذُكر اسم شركة خاصة تُعرف باسم "كنوز" كأحد أذرع هذا النشاط، حيث وُجهت إليها اتهامات بتقليد الآثار وتهريب النسخ الأصلية للخارج.
الخبراء أكدوا أن هذه الممارسات أضعفت منظومة الرقابة الأثرية في مصر، وزعزعت ثقة المجتمع العلمي الدولي بالمؤسسات المحلية. بل إن بعض الخبراء الأجانب أرسلوا خطابات رسمية لليونسكو يحذرون فيها من خطورة تولي العناني المنصب، معتبرين أن وصوله إلى موقع المدير العام قد يشكل "تهديداً مباشراً للآثار المصرية والعالمية".
مخالفات إدارية وتدمير مواقع تراثية
لم تقتصر الانتقادات على ملف التهريب فقط، بل امتدت إلى قضايا الإدارة والتعامل مع التراث الوطني.
خلال فترة العناني، شهدت مواقع أثرية بارزة تدهوراً وإهمالاً خطيراً، منها متحف النسيج المصري الذي تعرض لتدمير جزئي، رغم قيمته الفريدة في توثيق تاريخ الحرف المصرية.
كما سُجلت حالات اختفاء قطع أثرية نادرة من متحف الأشمونين، إضافة إلى شكاوى متكررة من ضعف إدارة المخازن الأثرية.
ووفق تقارير محلية، فقد تم منح مناقصات ضخمة لشركات خاصة دون منافسة حقيقية، أبرزها شركات مرتبطة باسم عالم الآثار الشهير زاهي حواس، ما فتح الباب أمام اتهامات باستغلال النفوذ والفساد الإداري.
دعم إماراتي وصفقات سياسية
سياسياً، لعبت التحالفات الإقليمية دوراً مهماً في دفع ترشيح العناني.
فقد أعلن وزير الخارجية عن دعم إماراتي صريح، وجرى الحديث عن شبكة علاقات عربية ودولية ساعدت على تمرير انتخابه، في إطار ما اعتبرته القاهرة تعزيزاً لدورها على الساحة الدولية.
لكن هذا الدعم لم يخلُ من الشبهات؛ حيث ترددت تساؤلات في أوساط سياسية وإعلامية حول الثمن الذي دفعته مصر لضمان هذا الفوز، إذ تحدثت تقارير عن تقديم امتيازات مالية وآثارية، وصلت إلى حد الحديث عن منح بعض المتاحف أو قطع أثرية للإمارات وفرنسا، فضلاً عن إشارة إلى عضوية طحنون بن زايد في هيئة المتحف المصري الكبير، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الثقافية.
"عدو الآثار المصرية"
منتقدو العناني داخل مصر يصفونه بأنه "عدو الآثار المصرية"، إذ يرون أن فترة وزارته شهدت ما يشبه "المحو المتعمد" لبعض المواقع التاريخية، عبر تركها للإهمال أو تسليمها لشركات خاصة دون رقابة حقيقية.
ويرى خبراء أن "فوز العناني في اليونسكو قد يفتح الباب لتكرار هذه السياسات على مستوى دولي"، وهو ما يضر بصورة مصر قبل أن يخدمها.
استنكار محلي ودولي
لم تتوقف الانتقادات عند الخبراء المحليين، بل امتدت إلى مؤرخين وعلماء آثار أجانب، أرسل بعضهم رسائل مباشرة لليونسكو للاعتراض على انتخاب العناني.
الرسائل ركزت على ملفات محددة مثل:
- تدهور المواقع والمتاحف الأثرية في مصر.
- الاتهامات بالفساد الإداري.
- ضعف الرقابة على المخازن والمقتنيات النادرة.
- شبهة تهريب آثار للخارج.
ويرى أصحاب هذه الرسائل أن انتخاب العناني "يُفقد اليونسكو جزءاً من مصداقيتها"، خاصة أن المنظمة معنية أصلاً بحماية التراث العالمي.
بين النصر السياسي والجدل الأخلاقي
بينما تحتفل مصر ودبلوماسيتها بما اعتُبر "انتصاراً غير مسبوق"، يظل السؤال الأهم هو:
هل سيدير العناني اليونسكو بعقلية الإصلاح والحفاظ على التراث، أم أنه سيكرر أخطاء الماضي التي حولته إلى شخصية مثيرة للجدل في الداخل والخارج؟
وفي الوقت الذي تتواصل فيه ردود الأفعال، يبدو أن انتخاب خالد العناني لن يمر بهدوء، بل سيظل ملفاً مفتوحاً في أروقة السياسة والثقافة الدولية لسنوات قادمة.