أعاد الخبير الاقتصادي والمستشار السياسي الدكتور مراد علي الجدل حول سد النهضة الإثيوبي إلى الواجهة من جديد، بعد تغريدة حذّر فيها من خطورة تتجاوز كل ما كان يُعتقد سابقًا بشأن هذا المشروع، معتبرًا أن الخطر الحقيقي لم يعد في حبس المياه فقط، بل في إمكانية استخدام السد كسلاح لإغراق مصر والسودان بفيضانات صناعية متعمّدة.
وقال مراد علي في تغريدته عبر منصة “إكس”:
“خطورة سد النهضة الإثيوبي أكبر بكثير مما تخيلنا. كنا نعتقد أن الخطورة في قدرة إثيوبيا (بالطبع بالإيعاز من إسرائيل وحلفائها) على حبس المياه عن مصر، لكن اتضح أن السد يتيح لإثيوبيا إحداث فيضان مفتعل يغرق مصر والسودان كما حدث الآن.”
وأشار إلى أن إغراق السودان بالمياه ليس حادثًا عرضيًا، بل تطور يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، لما قد يسببه من موجات نزوح جماعي باتجاه الحدود الشمالية، مؤكدًا أن “تعرض السودان للغرق سيؤدي بالضرورة إلى تدفق آلاف اللاجئين إلى مصر، وهو ما يشكّل خطرًا ديموغرافيًا واقتصاديًا وأمنيًا بالغًا.”
خطورة سد النهضة الإثيوبي أكبر بكثير مما تخيلنا.
— Mourad Aly د. مراد علي (@mouradaly) October 5, 2025
كنا نعتقد أن الخطورة في قدرة إثيوبيا ( بالطبع بالإيعاز من إسرائيل وحلفائها) على حبس المياه عن مصر خاصة في مواسم الجفاف وتعطيش أهلها.
لكن، اتضح أن السد يتيح لإثيوبيا إحداث فيضان مفتعل يغرق مصر والسودان بدرجات متفاوتة كما حدث الآن.… pic.twitter.com/XSA8iV7VFb
من “تعطيش مصر” إلى “إغراقها”.. سلاح مزدوج بأيدٍ إثيوبية
تكشف تصريحات مراد علي عن تحول جوهري في تصور التهديد، إذ لم يعد الخوف مقتصرًا على تعطيش مصر عبر حجز المياه في مواسم الجفاف، بل امتد إلى خطر إحداث فيضانات اصطناعية نتيجة التحكم الكامل في كميات التصريف من السد.
ويرى خبراء الري والمياه أن التصميم الهندسي للسد، بارتفاعه الذي يتجاوز 145 مترًا وسعته التي تصل إلى 74 مليار متر مكعب، يمنح إثيوبيا قدرة شبه مطلقة على التحكم في مجرى النيل الأزرق، وبالتالي على مصير مصر والسودان معًا.
ويشير متخصصون إلى أن أي قرار إثيوبي بفتح بوابات السد بشكل مفاجئ قد يؤدي إلى كارثة حقيقية في شمال السودان وجنوب مصر، خاصة في المناطق المنخفضة حول بحيرة ناصر، حيث لا توجد بنية تحتية كافية لامتصاص موجات الفيضان الكبيرة.
ويربط البعض بين تصريحات مراد علي والتقارير الميدانية الأخيرة التي تحدثت عن فيضانات مفاجئة ضربت مناطق سودانية بعد عمليات تصريف غير معلنة من السد.
اتهام مباشر لإسرائيل وحلفائها
ما يميز تغريدة مراد علي هو جرأتها في الإشارة المباشرة إلى دور إسرائيل وحلفائها الغربيين في مشروع سد النهضة.
إذ يرى أن إثيوبيا لم تكن لتجرؤ على هذا التصعيد دون دعم استخباراتي وتقني من قوى تسعى لإعادة رسم توازنات النفوذ في وادي النيل، واستخدام المياه كورقة ضغط استراتيجية ضد القاهرة.
وتأتي هذه الإشارات في ظل تقارير متزايدة عن دور شركات إسرائيلية في تصميم الأنظمة التقنية والتحكم في إدارة السد، وهو ما يثير مخاوف من أن يصبح المشروع أداة إقليمية لابتزاز مصر.
صمت رسمي وانتقادات داخلية
في المقابل، يوجّه مراد علي انتقادًا لاذعًا للقيادة السياسية المصرية التي — بحسب وصفه — “تكتفي بإطلاق تصريحات بين الحين والآخر لا تأتي بحق ولا تخيف عدوًا.”
ويرى أن تعامل الحكومة مع الملف منذ عام 2015، حين وقّعت اتفاق إعلان المبادئ مع إثيوبيا والسودان، اتسم بالسطحية والارتباك، ما منح أديس أبابا الوقت الكافي لاستكمال بناء السد وملئه دون أي التزام باتفاق قانوني ملزم لتقاسم المياه أو التشغيل.
ويؤكد علي أن المؤسسات السيادية المصرية مطالبة اليوم بالتدخل الفعلي، بعدما أصبح الخطر يتجاوز حدود السياسة إلى تهديد وجودي حقيقي.
ويحذر من أن استمرار تجاهل هذا الملف يضع الأمن المائي والغذائي لمصر تحت رحمة قرارات حكومة إثيوبية تسعى لتحقيق مكاسب داخلية عبر فرض سيادتها المطلقة على نهر النيل.
أزمة بلا ردع.. ومستقبل غامض
تثير هذه التحذيرات المتكررة تساؤلات حول حدود القدرة المصرية على الردع أو المناورة السياسية في ظل غياب استراتيجية واضحة أو تحرك دبلوماسي مؤثر.
فبينما تمضي إثيوبيا في تشغيل السد وملئه للمرة الخامسة، تكتفي القاهرة بمواقف تصفها المعارضة بأنها “بلاغات دبلوماسية” لا تغير شيئًا من واقع الأزمة.
وتتزامن هذه التطورات مع تراجع الموقف المصري في الاتحاد الإفريقي، وتنامي النفوذ الإثيوبي المدعوم غربيًا.
وفي ظل هذه المعادلة، يرى محللون أن تحذير مراد علي يجب ألا يُنظر إليه كوجهة نظر فردية، بل كـ جرس إنذار حقيقي لمؤسسات الدولة، بأن الخطر لم يعد على الأبواب، بل قد بدأ بالفعل.
ففي الوقت الذي كانت فيه مصر تخشى “تعطيشها”، أصبح إغراقها بالفيضان المفتعل احتمالًا قائمًا، يذكّر الجميع بأن سد النهضة ليس مجرد مشروع تنموي، بل ورقة ضغط وجودية تهدد حاضر مصر ومستقبلها.