شهدت أروقة مجلس نواب الانقلاب ، اليوم السبت، توتراً غير مسبوق بعد انسحاب نقيب المحامين عبد الحليم علام، وثلاثة من النواب، احتجاجاً على تمرير تعديل مثير للجدل في المادة 105 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، يتيح للنيابة العامة التحقيق مع المتهم دون حضور محامٍ في بعض الحالات، وهو ما اعتُبر تراجعاً خطيراً عن أبسط ضمانات العدالة وحقوق الدفاع التي كفلها الدستور.
 

انسحاب نقيب المحامين وثلاثة نواب: إنذار مبكر
الانسحاب الذي قاده نقيب المحامين، وشاركه فيه النواب مها عبد الناصر وضياء الدين داود وأحمد الشرقاوي، جاء تعبيراً عن رفض واضح لمحاولات الحكومة تمرير تعديل قانوني يضعف موقع الدفاع ويمنح سلطات أوسع للنيابة العامة على حساب حقوق المتهمين.

وبحسب مصادر برلمانية، فإن الاجتماع الذي ترأسه وكيل مجلس النواب أحمد سعد الدين، شهد انقساماً حاداً بين أعضاء اللجنة الخاصة المكلفة بدراسة مشروع القانون، حيث صوّت 6 أعضاء لصالح التعديل و6 ضده، إلا أن رئيس اللجنة استخدم صوته المرجّح لتمرير النص، في خطوة أثارت غضب النواب المنسحبين ونقابة المحامين التي اعتبرت ما جرى “إخلالاً جسيماً بالعدالة”.
 

التعديل المثير للجدل: انتكاسة دستورية
تنص المادة 105 في صيغتها الحالية على أنه “يُمكّن محامي المتهم من الاطلاع على التحقيق قبل الاستجواب أو المواجهة بمدة كافية، ما لم يقرر عضو النيابة العامة غير ذلك”، وهي عبارة صغيرة لكنها، بحسب القانونيين، تفتح الباب أمام تجاوز الحق الدستوري للمتهم في وجود محامٍ أثناء التحقيق.

وتأتي خطورة التعديل من أنه يُعطي النيابة العامة سلطة تقديرية في منع حضور المحامي بحجة “فوات الوقت” أو “ضرورات التحقيق”، وهو ما يتعارض بوضوح مع نص المادة 54 من الدستور المصري التي تنص على أن “الاستعانة بمحامٍ حق أصيل لكل متهم، ويجب تمكينه من الاتصال بمحاميه فوراً”.
 

فلسفة الحكومة: مزيد من السيطرة وأقل من العدالة
ورغم أن اعتراض عبد الفتاح السيسي على المادة كان يهدف – وفق البيان الرسمي – إلى تعزيز ضمانات المتهم، فإن الحكومة واللجنة البرلمانية تمسكتا بتمرير النص الحكومي الذي يحدّ فعلياً من حضور المحامين أثناء التحقيق. هذا التناقض الواضح كشف عن غياب الرؤية التشريعية المتماسكة، وعن نزعة حكومية لتوسيع صلاحيات النيابة وتقليص مساحة الدفاع، بما يتناقض مع مبادئ العدالة وسيادة القانون.

النائب ضياء الدين داود وصف ما حدث بأنه “تراجع خطير عن مكتسبات قانونية ناضل من أجلها المحامون لعقود”، مضيفاً أن “ما جرى في اللجنة يمثل انتكاسة لحقوق الدفاع، ويهدد بتحويل العدالة إلى إجراء شكلي خالٍ من الضمانات الحقيقية”.
 

أصوات معارضة داخل البرلمان
الرفض لم يقتصر على النواب المنسحبين، بل شمل أيضاً النائبة أميرة أبو شقة، والنائبين محمد عبد العزيز وأيمن أبو العلا، الذين حذروا من أن تمرير التعديل بهذه الصيغة سيُدخل مصر في مرحلة جديدة من تجريم العمل القانوني المستقل ويقوّض الثقة في العدالة.
أما النائب أحمد الشرقاوي فاعتبر أن المادة بصيغتها الجديدة “تضرب مبدأ المساواة أمام القانون في مقتل”، مؤكداً أن التعديل “لا يواكب روح الدستور ولا فلسفة العدالة الجنائية الحديثة التي تقوم على تمكين المتهم من الدفاع عن نفسه لا عزله عن محاميه”.
 

انتقادات حقوقية واسعة
من جانبها، انتقدت منظمات حقوقية محلية ما وصفته بـ“التمرير السريع والمريب” لتعديلات تمس جوهر العدالة. فقد أكدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن أزمة قانون الإجراءات الجنائية “لا تقتصر على مواد بعينها، بل تمتد إلى فلسفته التي تكرس سلطة الدولة على حساب المواطن”.
كما شددت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان على أن تعديل ثمان مواد فقط من القانون “لا يعالج العوار الجسيم الذي يشوب النصوص الأخرى، بل يعمق الأزمة ويُظهر نية واضحة في الإبقاء على منظومة قانونية غير عادلة”.
 

ضربة جديدة لسيادة القانون
إن تمرير تعديل المادة 105 رغم اعتراضات قانونية وبرلمانية واسعة، يمثل ضربة موجعة لاستقلال العدالة، ويدق ناقوس الخطر بشأن مستقبل المحاكمة العادلة في مصر. الحكومة، التي تزعم أنها تُحدّث منظومة العدالة، تبدو في الواقع تُقيدها وتُفرغها من مضمونها، عبر تشريعات تمنح النيابة العامة سلطات استثنائية وتُقصي الدفاع من المشهد.
بهذا النهج، تتحول الإصلاحات القانونية المعلنة إلى أداة سياسية لتشديد القبضة على المجتمع المدني، في وقت تتزايد فيه الأصوات المطالبة بإصلاح جذري يعيد التوازن بين الدولة والمواطن، ويصون ما تبقّى من مفهوم العدالة في مصر.