تعاني وزارة الصحة المصرية من سياسة متكررة في تأجير العيادات التي تم إنشاؤها بأموال عامة ضمن المستشفيات الحكومية لشباب الأطباء، بدلاً من استغلالها لخدمة المرضى بشكل مباشر. هذا القرار أدى إلى تفاقم أزمة قطاع الصحة المتهالك، ويدل على نقص في إدارة الموارد ويتسبب في تراجع جودة الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين.
حجم استثمارات الدولة في العيادات الحكومية
أنفقت الدولة أكثر من 2 مليار جنيه خلال السنوات الأخيرة على إنشاء وتجهيز عيادات متعددة تخصصات ضمن المستشفيات الحكومية، من أجل تحسين جودة الرعاية الصحية ومد نطاقها. لكن وفقًا لتقارير غرفة العمليات بوزارة الصحة عام 2024، فإن أكثر من 40% من هذه العيادات لا تستغل بشكل مباشر في تقديم الخدمات المجانية أو المدعومة، بل تُؤجر لشباب الأطباء بأسعار تصل إلى 5000 جنيه شهريًا في بعض المناطق، وهو مبلغ يفوق دخل الكثير من الأطباء.
هذه الممارسات تؤدي إلى تجاوزات مالية حيث تتكبد وزارة الصحة خسائر مقدرة بحوالي 600 مليون جنيه سنوياً من فرص إيرادات كانت ستُستخدم لتطوير خدمات العلاج المجاني وتحسين التجهيزات الطبية.
تأثير التأجير على جودة الخدمات الصحية
التأجير يجعل جودة الخدمة مرتبطة بقدرات المستأجرين المالية والتجارية، وليس بمعايير موحدة للوزارة. وهو ما زاد من تفاوت جودة الرعاية في نفس المستشفى، حسب دراسة صادرة عن المركز المصري للدراسات الصحية عام 2025، التي رصدت تدهور الخدمة في العيادات المؤجرة مقارنة بالعيادات الحكومية المدارة مباشرة.
الدكتور هاني عبد العزيز، أستاذ الصحة العامة بكلية الطب، يؤكد أن "تأجير العيادات يفتح الباب أمام افتقار الرقابة والتحكم الكامل، مما يساهم في انخفاض جودة الخدمة وزيادة الاعتماد على القطاع الخاص في العلاج، وهو ما يضر بشكل كبير بحرية وصول المواطنين إلى رعاية صحية ميسورة".
التفاوت الاجتماعي والاقتصادي الناجم عن التأجير
بتكلفة التأجير العالية على شباب الأطباء، التي تنتقل في النهاية إلى المرضى، تتزايد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، إذ لا يستطيع معظم الفقراء ومحدو الدخل تحملها، مما يدفعهم إلى الاستغناء عن العلاج أو اللجوء إلى المراكز الخاصة ذات التكلفة الأقل، حسب تقرير الأمانة العامة لمجلس الوزراء 2025.
وفق إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يعاني حوالي 45% من السكان من صعوبات في الحصول على خدمات صحية كافية وبأسعار معقولة، مما يضيف ضغوطًا مجتمعية واقتصادية تزيد من معدلات الفقر والمرض.
ضعف الشفافية والرقابة المالية
تشير تقارير وزارة المالية إلى أن العائد المالي من تأجير هذه العيادات لا يُستخدم بكفاءة في إعادة دعم القطاع الصحي أو تطويره، مع غياب رقابة مالية واضحة على العوائد وإدارة المنافع. فقد تم تسجيل حالات فساد في إدارة بعض هذه الموارد، وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات لعام 2024، مما يزيد من هشاشة النظام الصحي.
الأثر على الكوادر الطبية
يجد شباب الأطباء أنفسهم في مواجهة واقع مهني صعب، حيث يعتبر التأجير أحيانًا عبئًا اقتصاديًا في ظل ضعف رواتب القطاع الحكومي. الباحثة في مجال الصحة، نبيلة سمير، تعلق بأن "تأجير العيادات يضع الأطباء في موقف متناقض بين هدفهم المهني ورسالتهم الإنسانية وبين الضرورات المالية التي تفرضهم على تشغيل عيادات تجارية، وهو ما يؤثر سلبًا على جودة الخدمات ويحد من تطوير القطاع".
وتظهر الأرقام والحقائق أن تأجير العيادات الحكومية لشباب الأطباء يسهم بشكل مباشر في تفاقم أزمات صحة المصريين عبر إهدار أموال عامة وعدم استثمار المنشآت بشكل يلبي احتياجات القطاع الصحي المتزايدة. ويبرز غياب الرقابة والشفافية والاهتمام بحقوق المواطنين كمحرك رئيسي لفشل هذه السياسة. كما يؤكد الخبراء والخبرات على أن استمرار هذه الممارسات سيقود إلى مزيد من الانحطاط في جودة الرعاية الصحية وارتفاع الفوارق الاجتماعية، مطالبين بوقف تأجير المنشآت الحكومية فورًا وفرض سياسات تضمن العدالة والكفاءة في القطاع الصحي.