في وقت تتواصل فيه الاجتماعات بين حكومة الانقلاب وصندوق النقد الدولي لمراجعة برنامج الإصلاح الاقتصادي، تؤكد التقارير الدولية أن النظام الحاكم بقيادة عبد الفتاح السيسي لا يمتلك خطة إصلاح حقيقية، وأن ما يجري لا يتعدى إجراءات شكلية تفتقر إلى رؤية اقتصادية واضحة، وسط تدهور مؤشرات الاقتصاد الكلي وارتفاع غير مسبوق في مستويات الدين والتضخم.
صندوق النقد: تباطؤ حاد في تنفيذ الإصلاحات
وفقًا لبيان صندوق النقد الصادر في سبتمبر 2025، فإن مصر لم تحقق التقدم المطلوب في مراجعة برنامج القرض البالغ 8 مليارات دولار، والذي تم الاتفاق عليه في مارس 2023، بسبب “بطء تنفيذ الإصلاحات الهيكلية”.
ورغم تنفيذ بعض الإجراءات النقدية، أشار الصندوق إلى أن الحكومة لم تلتزم بتقليص دور الدولة والجيش في الاقتصاد، ما أدى إلى تعطيل مراجعة الشريحة الخامسة من القرض.
كما أكد الصندوق أن التقدم في ملف “وثيقة ملكية الدولة” ما زال محدودًا، وأن نسبة تنفيذ خطط تخارج الحكومة من القطاعات الاقتصادية لم تتجاوز 25% مما أُعلن عنه في 2022.
أرقام تكشف عمق الأزمة
- التضخم السنوي في مصر لا يزال من الأعلى عالميًا، إذ بلغ 31.2% في أغسطس 2025 بعد أن تجاوز 35% في بداية العام، وهو تراجع طفيف لا يعكس تحسنًا حقيقيًا في الأسعار.
- الدين الخارجي ارتفع إلى نحو 170 مليار دولار بنهاية يونيو 2025، مقارنة بـ155 مليارًا في العام السابق، ما يمثل عبئًا غير مسبوق على الموازنة العامة.
- عجز الموازنة ارتفع إلى 8.6% من الناتج المحلي، بينما تجاوزت خدمة الدين العام 60% من الإيرادات الحكومية، بحسب بيانات وزارة المالية نفسها.
- الاحتياطي النقدي بلغ نحو 46.1 مليار دولار في يوليو 2025، وهو تحسن نسبي لكنه يعتمد بالأساس على ودائع خليجية مؤقتة لا تمثل تدفقات إنتاجية حقيقية.
مشروعات عملاقة بلا عائد اقتصادي
رغم الأزمة الخانقة، يواصل النظام ضخ مليارات الجنيهات في مشروعات عقارية مثل العاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة، التي تستهلك أكثر من 900 مليار جنيه من الموازنة العامة والشركات التابعة للجيش، دون مردود إنتاجي أو تشغيل فعلي.
ويرى خبراء أن هذه السياسة "التجميلية" تهدف إلى إظهار إنجازات عمرانية، لكنها تساهم في تفاقم الديون وتراجع الإنفاق على التعليم والصحة والدعم الاجتماعي.
صندوق النقد: لا نمو دون تمكين القطاع الخاص
ممثل الصندوق في القاهرة أليكس سيجورا قال في تصريحاته خلال مؤتمر سبتمبر الماضي إن “الاقتصاد المصري لن يحقق نمواً مستداماً دون تقليص دور الدولة وتمكين القطاع الخاص”.
وأشار إلى أن القطاع الخاص لم يحقق سوى 28% من إجمالي الاستثمارات الجديدة في 2024، مقارنة بـ60% قبل عشر سنوات، ما يعكس هيمنة شبه كاملة للمؤسسات العسكرية وشركات الأجهزة الأمنية على السوق.
تدهور معيشة المواطنين وغياب العدالة الاجتماعية
في المقابل، لا تزال برامج الحماية الاجتماعية مثل تكافل وكرامة محدودة التأثير، إذ يستفيد منها 5.2 مليون أسرة فقط، بينما يعيش أكثر من 30 مليون مصري تحت خط الفقر وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (2025).
وتستمر موجة الغلاء في إضعاف الطبقة المتوسطة، بعد رفع أسعار الكهرباء والوقود مرتين منذ بداية العام، وتجميد الأجور الحقيقية رغم التضخم.
وفي النهاية فإن بيانات صندوق النقد تؤكد أن “الإصلاح الاقتصادي” في عهد السيسي مجرد إدارة فاشلة للأزمات دون رؤية تنموية حقيقية.
فالحكومة لم تنجح في جذب الاستثمارات، ولم تسيطر على الدين أو الأسعار، بينما واصلت تحميل المواطن كلفة فشلها.
وبينما تتحدث السلطة عن “تحقيق الاستقرار”، تكشف الأرقام أن مصر تواجه أحد أسوأ أوضاعها الاقتصادية منذ عقود.