كان يستعد لخطوبته بعد أيام قليلة، لكن القدر شاء أن يكون عريساً للجنة. محمد موافي، شاب لم يتجاوز الحادية والعشرين من عمره، خرج من بيته مثل أي يوم عادي، ولم يكن أحد من أسرته أو أصدقائه يتخيل أن هذا اليوم سيكون الأخير له بينهم.
في لحظات مأساوية، اندلع الحريق داخل مصنع المحلة، وما إن لمح محمد ألسنة اللهب تتصاعد حتى اندفع دون تردد. لم يفكر في نفسه، بل ركض لينادي الناس، وليوثّق بكاميرا هاتفه المشهد، محاولاً أن يوقظ الوعي ويحث الجميع على التدخل السريع لإنقاذ الأرواح. لكن لحظة الشجاعة تلك كانت أيضاً اللحظة التي خطفت حياته.
يقول أحد جيرانه بصوت تغلبه الدموع: "كان فرحه بعد أيام.. لكنه بقى عريس الجنة بعد اللي حصل له". عبارة تختصر حجم الفاجعة التي أصابت أسرته وأصدقاءه الذين كانوا ينتظرون الاحتفال به شاباً مقبلاً على الحياة، فإذا بهم يشيعونه ضحيةً للحريق.
محمد لم يكن مجرد شاب عادي، بل كان رمزاً للحيوية والاندفاع. في شهادات المقربين منه، يتكرر وصفه بالطيب، المندفع لنجدة الغير، والساعي لترك أثر طيب في كل مكان. رحيله لم يكن صدمة لأهله فقط، بل للمجتمع الذي تابع قصته، وشاهد عبر مقاطع الفيديو اللحظات الأخيرة التي تحولت فيها شجاعة إنسانية إلى مأساة.
كارثة مصنع المحلة لم تكشف فقط عن قصور في إجراءات السلامة داخل المصانع، بل أبرزت وجهاً إنسانياً مؤلماً: شاب في مقتبل العمر ضحّى بنفسه في محاولة لإنقاذ غيره. وبينما تثير الكارثة أسئلة صعبة عن المسؤولية والمحاسبة، تبقى قصة محمد موافي شاهداً على شجاعة نادرة، وعلى خسارة موجعة لا تعوض.
محمد الذي حلم ببيت وأسرة جديدة، ترك خلفه ذكرى تخلّد اسمه باعتباره "عريس الجنة"، اللقب الذي ردده كل من عرفه بعد رحيله. وفي جنازته التي تحولت إلى مظاهرة حزن، كان الوجع أكبر من أن يوصف، وكأن الجميع يودّع الأمل الذي مثّله شاب في بداية حياته، خطفته ألسنة اللهب في لحظة غياب عدالة وغياب حماية.
وهكذا يبقى محمد موافي قصة ألم وأمل في آن واحد: ألم الفقد المفاجئ، وأمل أن تفتح دماؤه باباً لتغيير حقيقي يوقف نزيف الأرواح في مصانع بلا أمان.