مع بداية العام الدراسي الجديد في مصر، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع مصوّرة لطلاب يرتدون زيًا يشبه زي الشرطة، أُطلق عليهم اسم "الشرطة المدرسية". هذه المشاهد أثارت جدلاً واسعًا، حيث تباينت ردود الأفعال بين من اعتبرها مبالغة و"تمثيلية" لا تضيف شيئًا للعملية التعليمية، ومن رأى أنها انعكاس لنهج متواصل في عسكرة المدارس وتحويل البيئة التعليمية إلى أجواء أمنية أكثر منها تربوية.
انتقادات تربوية ومجتمعية
لم تتوقف الانتقادات عند حدود السخرية الشعبية، بل امتدت إلى أصوات تربوية متخصصة. فقد لفت الدكتور أحمد عبد الباسط إلى أنّ ما يسمى "الشرطة المدرسية" ليس إلا انعكاسًا لتوجه رسمي يعكس أولويات السلطة أكثر مما يعكس احتياجات الطلاب.
وأكد أنه عمل ما يقارب من العشر سنوات في التعليم الجامعي ودون الجامعي بالولايات المتحدة، متنقّلًا بين أروقة الجامعات والمدارس، كما عملت عامًا في جامعة قطر، ولم تقع عيناي يومًا على ما يُسمّى بالشرطة المدرسية، ولا على ذلك المشهد الغريب الذي يجعل طالبًا يُسلّط على طالب، فيتحوّل الصغار إلى رقباء على بعضهم بعضًا، كما يوضح ذاك الفيديو. إن مثل هذه الممارسات لا تُثمر إلا أجيالًا منكسرة، تُربّى على الخنوع وتُساق إلى الجُبن سوقًا.
وتابع في تدوينة حقًا، لست أدري أي عقلٍ قاصر ابتدع هذه الفكرة العقيمة، التي لا تُخرج إلا نفوسًا مشوّهة وكرامةً مهدورة.
سخرية واسعة على المنصات
موجة من التعليقات الساخرة اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي، حيث كتب البعض أنّ "الطلاب عايشين الدور أوي"، في إشارة إلى المبالغة في تجسيد دور الشرطة داخل المدرسة، بينما رأى آخرون أنّ هذه المشاهد تصلح لعمل درامي أكثر من كونها ممارسة تربوية جادة. البعض شبّهها بمحاكاة لفعاليات عسكرية داخل أسوار المدارس، مؤكدين أنّ المدرسة يجب أن تكون فضاءً للتعلم والإبداع لا للعقاب والانضباط الأمني المبالغ فيه.
فسخر الدكتور مصطفي جاويش " من حكمدار العاصمة إلى حكمدار المدرسة الثانوية الشرطة مش تحكم وسيطرة واتعلم منى !!! مشاهد الشرطة المدرسية المنشورة فى أول أيام عودة المدارس تشير إلى فرض عقلية السادة والعبيد على طلبة المدارس منذ اليوم الأول لترسيخ معانى الخضوع والخنوع فى الوجدان الجمعى #العام_الدراسي_الجديد".
من حكمدار العاصمة إلى حكمدار المدرسة الثانوية الشرطة مش تحكم وسيطرة واتعلم منى !!!
— دكتور مصطفى جاويش (@drmgaweesh) September 23, 2025
مشاهد الشرطة المدرسية المنشورة فى أول أيام عودة المدارس تشير إلى فرض عقلية السادة والعبيد على طلبة المدارس منذ اليوم الأول لترسيخ معانى الخضوع والخنوع فى الوجدان الجمعى #العام_الدراسي_الجديد pic.twitter.com/jeJ7LECdXc
المستشار وليد شرابي " شرابي: بالنسبة للفديوهات اللي انتشرت لعيال من الشرطة المدرسية في مصر، بيزعقوا لزمايلهم وحاطين رتب وراسمين الدور، أنا بقول لطلبة المدارس مايخفوش منهم، ولو حد فيهم فكر يئذي حد فيكم إما يجيبله كيس شيبسي من الكانتين، أو يكرمش أي مبلغ ويدهوله، ولو مامعوش أي حاجة يرقص في الحوش ويغني تسلم الأيادي.
شرابي: بالنسبة للفديوهات اللي انتشرت لعيال من الشرطة المدرسية في مصر، بيزعقوا لزمايلهم وحاطين رتب وراسمين الدور، أنا بقول لطلبة المدارس مايخفوش منهم، ولو حد فيهم فكر يئذي حد فيكم إما يجيبله كيس شيبسي من الكانتين، أو يكرمش أي مبلغ ويدهوله، ولو مامعوش أي حاجة يرقص في الحوش ويغني… pic.twitter.com/Uv1Rgati59
— مجلة ميم.. مِرآتنا (@Meemmag) September 24, 2025
وقال حساب الملكوت " جماعه هو انا لوحدي اللي شايف موضوع الشرطة المدرسية دة كارثه ومفيش فيه اي ضحك ولازم المسؤولين يتحاسبوا. بجد يعني ايه طالب يتحكم في طالب زيه ويبقي فيه تمييز وطالب يزعق لزميله من نفس عمره !!! انت بتزرع فيهم ايه يعني هي البلد ناقصه مرضي نفسيين وعقد نقص".
جماعه هو انا لوحدي اللي شايف موضوع الشرطة المدرسية دة كارثه ومفيش فيه اي ضحك ولازم المسؤولين يتحاسبوا. بجد يعني ايه طالب يتحكم في طالب زيه ويبقي فيه تمييز وطالب يزعق لزميله من نفس عمره !!! انت بتزرع فيهم ايه يعني هي البلد ناقصه مرضي نفسيين وعقد نقص pic.twitter.com/5HW8hQqSvR
— Pontiac_Bandit (@Callmekot44) September 22, 2025
عسكرة الفضاء التعليمي
يرى خبراء أنّ الظاهرة لا تنفصل عن نمط عام في التعامل مع المؤسسات المدنية في مصر، حيث يتم إدخال أساليب السيطرة الأمنية إلى قطاعات متعددة من الحياة العامة، بما فيها التعليم. ويضيفون أنّ هذا التوجه يعمّق من أزمة الثقة بين الطلاب والمدرسة، ويحوّل البيئة التربوية إلى بيئة قائمة على الخوف والرقابة بدلاً من الحرية والمسؤولية. كما أن فرض مثل هذه المظاهر قد يسهم في صناعة جيل معتاد على الامتثال الأعمى للسلطة بدلاً من التفكير المستقل.
السياق الأوسع: من الشرطة المدرسية إلى المناهج
من ناحية أخرى، يربط محللون هذه الظاهرة بالسياسات التعليمية الأوسع التي انتهجتها الدولة في السنوات الأخيرة. فبينما تعلن وزارة التعليم عن خطط لتطوير المناهج وربطها بمهارات المستقبل، تظهر على الأرض مبادرات مثل "الشرطة المدرسية" التي تنقل رسالة معاكسة تمامًا، مفادها أن الأولوية ليست لبناء العقول بل لتأمين السيطرة على الطلاب وإزلالهم ومراقبتهم.