أثار الناشط المصري المعارض أنس حبيب جدلاً واسعاً بعد نشره تسجيلاً صوتياً لمكالمة هاتفية أجراها مع السفارة المصرية في سويسرا، تقمص خلالها شخصية مواطن فلسطيني يسعى إلى دخول الأراضي المصرية بجواز سفر فلسطيني.
المكالمة، التي استمرت أربع دقائق فقط، كشفت بحسب حبيب عن مفارقات صادمة بين معاملة السلطات المصرية للفلسطينيين والإسرائيليين، ما أعاد إلى الواجهة نقاشاً حساساً حول طبيعة السياسات المصرية تجاه القضية الفلسطينية، ومدى استقلالية القرار الوطني في مواجهة النفوذ الإسرائيلي.
تفاصيل المكالمة
خلال الاتصال، سأل حبيب موظفة في السفارة المصرية حول ما إذا كان المواطن الفلسطيني الحامل لجواز سفر فلسطيني يحتاج إلى تأشيرة لدخول مصر. الموظفة أجابت بشكل واضح بأن الحصول على تأشيرة أمر إلزامي، ويجب استخراجه مسبقاً من القنصلية المصرية في بلد الإقامة، ما يعني أن الفلسطيني، حتى في حالات الضرورة، لا يمكنه دخول مصر إلا عبر إجراءات معقدة وطويلة.
لم يكتفِ الناشط بهذا الجواب، بل انتقل بسؤاله إلى وضع الفلسطيني الذي يحمل جواز سفر إسرائيلي، فجاء رد الموظفة متردداً، حيث قالت إنها "غير متأكدة" وتحتاج إلى الرجوع للمسؤولين.
كما طلبت منه إرسال نسخة من الجواز عبر البريد الإلكتروني حتى يمكنها التحقق من التفاصيل.
عند هذه النقطة، تدخل حبيب كاشفاً عن ما اعتبره "الحقيقة الصادمة"، إذ أكد أن حامل جواز السفر الإسرائيلي يملك تسهيلات استثنائية تخوله دخول مصر عبر معبر طابا لمدة 14 يوماً مجاناً، ومن دون دفع أي رسوم.
مكالمة تليفون من ٤ دقائق ستكشف لك عن الإجابة المريرة لهذا السؤال.. من يحكم مصر؟ المصريون أم اليهود الصهاينة؟
— Anas Habib (@AnasHabib98) September 19, 2025
ملحوظة : هذا الفيديو ينطبق على كل وكلاء الإحتلال في المنطقة إلا اليمن وجنوب لبنان.
الحقيقة اللي لازم كلنا نؤمن بيها جميعًا هي إنه غزة كشفت لنا بالثمن الغالي أنه لا… pic.twitter.com/CEosy4MkAf
المفارقة المؤلمة
أشار حبيب خلال المكالمة إلى المفارقة بين معاملة الفلسطيني، الذي دفع ثمناً باهظاً من الدماء في نضاله بجوار مصر، وبين معاملة الإسرائيلي الذي يعتبره "المعتدي والقاتل"، ومع ذلك يحظى بامتيازات سياحية داخل الأراضي المصرية. وأضاف أن الفلسطيني، رغم كونه "أخاً وجاراً وامتداداً للشعب المصري"، يواجه العراقيل والقيود، في حين يتم استقبال الإسرائيليين على الشواطئ المصرية حيث يمضون أوقاتاً للترفيه والسياحة.
اتهامات بالخضوع للاحتلال
في التسجيل، ذهب حبيب أبعد من ذلك، متهماً السلطات المصرية بالخضوع للاحتلال الإسرائيلي. وأوضح أن دخول الإسرائيليين إلى مصر بسهولة يعكس – من وجهة نظره – تبعية القرار المصري لإرادة تل أبيب.
وربط الناشط هذا الواقع باتفاقيات الغاز بين مصر وإسرائيل، قائلاً إن المصريين دفعوا 35 مليار دولار مقابل الغاز الإسرائيلي، بينما في الأصل هو غاز مصري تم الاستيلاء عليه.
وبحسب تعبيره، فإن مصر "لم تعد ملكاً للمصريين"، بل واقعة تحت "احتلال بالوكالة" من قبل ما وصفهم بـ"الوكلاء الصهاينة". ورأى أن هذا الوضع يمثل امتداداً لسياسات عربية مشابهة، باستثناء بعض القوى المقاومة في اليمن وجنوب لبنان، التي وصفها بأنها لا تزال خارج دائرة "الخضوع".
دعوة للتحرك الشعبي
الرسالة الأبرز التي أراد حبيب توجيهها من خلال نشر التسجيل كانت، بحسب كلماته، حث المصريين على إدراك "حقيقة الواقع". فقد ختم مداخلته بالقول إنه مصري يتحدث من موقع المسؤولية الوطنية، داعياً أبناء بلده إلى عدم الصمت على ما اعتبره "ظلم وإذلال للفلسطينيين" و"تطبيعاً مجانياً مع الاحتلال". وشدد على أن ما يحدث يفرض على كل مصري أن يقول كلمة الحق، وأن يدرك أن "الخلاص من الاحتلال الخارجي يبدأ أولاً بالخلاص من وكلائه في الداخل".
انعكاسات أوسع
التسجيل لاقى تفاعلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، وأن ما عرضه حبيب يعكس واقعاً ملموساً في السياسات المصرية.
فقالت نهى " للأسف حال الامه الاسلاميه في اسوأ حال ...نحن با الفعل كما قال نبينا محمد.. يأتي زمان على أمتي لم يبقى من الإسلام إلا اسمه".
https://x.com/nh25196418928/status/1969139343257149911
وأشار أحمد " انا سمعت المكالمه الإجابة المريرة في آخر جملة ده مش اختصاصي للأسف المصريين ذهبوا بعيد عن الانسانيه ".
https://x.com/the_adventure9/status/1969306651288076375
ومع ذلك، فإن مضمون المكالمة أعاد تسليط الضوء على ملف معقد يرتبط بتاريخ طويل من العلاقات المصرية–الفلسطينية–الإسرائيلية، بدءاً من اتفاقية كامب ديفيد وحتى واقع معبر رفح وسياسات المرور عبره.
ورغم أن ما كشفه حبيب لا يحمل جديداً من الناحية الإجرائية، إذ إن دخول الفلسطينيين إلى مصر ظل مشروطاً بتأشيرات وموافقات منذ عقود، إلا أن المقارنة المباشرة مع التسهيلات الممنوحة لحاملي الجواز الإسرائيلي شكّلت صدمة أخلاقية وسياسية لمتابعين كثر. هذه المقارنة دفعت البعض إلى إعادة طرح السؤال الجوهري: من يتحكم فعلياً في السياسات الداخلية لمصر، وهل القرار المصري مستقل أم مرتهن؟
في النهاية، تعكس هذه المكالمة القصيرة جدلية أوسع تتجاوز حدود الإجراءات القنصلية إلى جوهر العلاقة بين الشعوب والأنظمة في المنطقة. بالنسبة لحبيب ومن يوافقونه الرأي، فإن القضية لا تتعلق فقط بحق الدخول أو التأشيرة، بل بمكانة الفلسطيني في الوجدان المصري، وبمستوى استقلال القرار الوطني عن الضغوط الإسرائيلية والدولية. ومع استمرار الحرب على غزة وتفاقم معاناة الفلسطينيين، يبدو أن هذه الأسئلة ستظل مطروحة بإلحاح، ليس في مصر وحدها، بل في عموم المنطقة العربية.