في مثل هذا اليوم، 18 سبتمبر، يحتفي محبو الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف القرضاوي بذكرى ميلاده الخامسة والخمسين، لكن الاحتفال هذا العام يختلط بمرارة الغياب. فالشاعر الذي كرس قلمه للدفاع عن الحرية والكرامة، يعيش محنة قاسية منذ 254 يومًا، بعدما اختطفته السلطات الإماراتية في يناير الماضي، ضمن حملة تستهدف الأصوات الحرة والرافضة للتطبيع والانتهاكات.

 

شاعر الحرية

وُلد عبد الرحمن يوسف عام 1970، ونشأ في بيت عُرف بالعلم والفكر والدفاع عن القضايا الكبرى. منذ بداياته الشعرية، اتخذ من الكلمة منبرًا للمقاومة، فكتب للثورات، وغنى لانتفاضات الشعوب، وهاجم الاستبداد والفساد. لم يكن شاعرًا نخبويًا يكتب لصالونات مغلقة، بل صاحب صوت مسموع في الميادين، حيث ارتفعت قصائده في ثورة 25 يناير كشعار لجيل كامل حلم بالحرية.

أصدر يوسف أكثر من عشرة دواوين شعرية، تنوعت بين الغزل والوطنيات، لكن ما جمعها هو الصدق والالتصاق بهموم الناس. وقد كتب نقاد كبار أن "شعر عبد الرحمن يوسف يوازن بين حرارة العاطفة وقوة الموقف"، وأنه "وريث مدرسة الشعر الملتزم التي أسسها فحول القرن العشرين".

 

محنة الاعتقال

في 7 يناير 2025، فوجئ محبوه بخبر اختطافه في الإمارات، حيث كان يقيم لفترة مؤقتة. وحتى اليوم، لم تعلن السلطات أي تهمة رسمية، ولم يُعرض على محكمة، ما اعتبره الحقوقيون إخفاءً قسريًا مكتمل الأركان.

منظمة العفو الدولية طالبت أبوظبي بالكشف عن مكان احتجازه وضمان سلامته.

هيومن رايتس ووتش وصفت القضية بأنها "جزء من سياسة ممنهجة لإسكات المعارضين".

حملة "#الحرية_لعبدالرحمن_يوسف" التي أطلقها ناشطون على منصات التواصل، تحولت إلى مساحة للتذكير بقيم الحرية التي ناضل من أجلها، واستدعاء أشعاره التي حذرت من القمع.

 

صدى في الأوساط الأدبية

زملاؤه من المثقفين والشعراء عبّروا عن تضامنهم معه. كتب الشاعر السوري محمود عثمان: "اختطاف عبد الرحمن يوسف هو محاولة لخطف صوت كل شاعر حر، لكنه حاضر فينا بكلماته".

أما الناقدة المصرية د. منى أحمد فقالت: "نحن أمام جريمة ضد الثقافة العربية، إذ يُعاقب شاعر لأنه رفض أن يكون شاهد زور على الظلم".

 

البعد الحقوقي

قضية عبد الرحمن يوسف ليست فردية، بل تعكس أزمة أوسع تتعلق بحرية التعبير في العالم العربي. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 19) ينص على أن لكل شخص الحق في اعتناق الآراء والتعبير عنها، دون تدخل. كذلك، تلزم العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الدول باحترام حرية الفكر والإبداع.

لكن الواقع يكشف تناقضًا صارخًا، حيث يُزج بالمثقفين في السجون بدلًا من تكريمهم. ويرى ناشطون أن استمرار احتجازه رسالة تخويف لكل من يجرؤ على انتقاد السياسات الرسمية، خصوصًا ما يتعلق بالتطبيع أو انتهاكات حقوق الإنسان.

 

ذكرى بطعم الحزن والفخر

بينما يبلغ عبد الرحمن يوسف عامه الخامس والخمسين، يصرّ محبوه على أن ميلاده مناسبة لتجديد العهد مع قيمه. تنشر صفحاته على فيسبوك وتويتر أبياتًا من شعره كتبها في السجن عن الحرية، ويتداول ناشطون صورًا له وهو يقرأ قصائده في الميادين. يقول أحد طلابه السابقين: "عبد الرحمن علّمنا أن الشعر ليس كلمات على ورق، بل موقف، وأن الأحرار يولدون من جديد كل يوم".

وأخيرا فذكرى ميلاد عبد الرحمن يوسف هذا العام تضعنا أمام سؤال وجودي: ماذا يعني أن يُختطف شاعر في الخامسة والخمسين من عمره لمجرد أنه كتب ما يؤمن به؟ لكنها أيضًا مناسبة للتأكيد أن الكلمة لا تُسجن، وأن الشاعر سيظل حاضرًا في قلوب عشاق الحرية حتى وهو خلف القضبان. وفيما تواصل السلطات الإماراتية صمتها، يواصل أصدقاؤه ومحبو الحرية رفع أصواتهم: "أطلقوا سراح عبد الرحمن يوسف.. الشاعر الذي صار رمزًا للأمة، وصوتًا لا ينكسر".