وصل الملك فيليب السادس والملكة ليتيسيا إلى القاهرة في زيارة رسمية استمرت منتصف شهر سبتمبر 2025 (16–19 سبتمبر)، وشارك العاهل الإسباني في فعاليات رسمية بينها استقبال في قصر الاتحادية وحفل عشاء في منطقة الأهرامات بالجيزة، هذه الزيارات رافقها إجراءات أمنية واسعة أعلنت عنها المؤسسة الرسمية.
وشهدت محافظتا القاهرة والجيزة في 18 سبتمبر 2025، حالة من الغضب العارم بين السكان بسبب إغلاق العديد من الشوارع الحيوية وتوقف حركة المرور بشكل شبه كامل خلال ساعات طويلة، جراء إجراءات تأمين موكب ملك إسبانيا في أول زيارة رسمية له لمصر.
هذا الإغلاق شمل شوارع رئيسية مثل شارع الهرم، وامتدّ وصولاً إلى محور 26 يوليو، وهو ما أثّر بشكل سلبي على حركة المواطنين العادية.
يُقدّر المتضررون من هذا الإغلاق بالمئات الآلاف بين سكان المحافظة وزائريها، خصوصاً أن القاهرة والجيزة تعدان مراكز اقتصادية مهمة تجتمع فيها المصالح التجارية والصناعية والخدمية، بالإضافة إلى كونهما أماكن للعاملين والطلاب يومياً.
وقد أدى الإغلاق إلى عرقلة مصالح الأجانب العاملين في مصر أيضاً، مما أسفر عن خسائر اقتصادية معتبرة في قطاعات النقل والتجارة، عدا الأثر النفسي والغضب الشعبي.
خسائر اقتصادية يومية
إذا اعتبرنا أن الناتج الاقتصادي لمنطقة القاهرة الكبرى يقارب 191 مليار دولار سنويًا (تقدير متاح للمنطقة الحضرية)، فإن قيمة الإنتاج الاقتصادي اليومي تساوي حوالى 523 مليون دولار في اليوم.
حتى تعطّل طفيف في الحركة يقلّل الإنتاجية بنسبة 1–2% فقط، فإن خسائر يومية قد تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات.
بالتالي، إغلاق طرق رئيسية لساعات قد يكلّف الاقتصاد المحلي وحده بتقديرٍ متحفظ أكثر من 10 مليون دولار في ذلك اليوم الواحد (الطريقة: 191 مليار دولار / 365 : 523.3 مليون دولار يوميًا؛ تأثير 2.5% على منطقة متأثرة → 13.08 مليون دولار).
هذه أرقام تقديرية توضح مدى هشاشة التوازن الاقتصادي أمام تدابير أمنية مفاجئة.
مقارنة بين مواكب مرسي السيسي
عند المقارنة التاريخية، يُذكر أن الرئيس محمد مرسي الذي تولى الرئاسة بعد ثورة 2011 ألغى (أو قلّص) مظاهر الموكب الرسمية في مرحلة أولى كخطوة رمزية لتقليص الترف الرئاسي، وأقل إثقالاً بشبكة الإغلاق والقيود على الحركة.
في المقابل، نظام السيسي مال منذ سنوات إلى إقامة احتفالات رسمية ومظاهر استقبال فخمة (مثل عشاء الأهرامات) والتي ترافقها إجراءات أمنية واسعة تؤثر على المواطنين، ويظهر أن مواكب السيسي تتسم بتعقيدات أمنية وإجراءات مشددة لا تقل عن "حصار" عقيم للمدن
قرار مرسي بإلغاء المواكب عام 2012 ذكرته وسائل إعلام آنذاك كمؤشر على محاولة التواضع المؤسسي؛ هذا التناقض يصبح مادّة نقدية لخصوم السيسي الذين يرونه «ثروة للمظهر» على حساب مصالح المواطنين.
ففي زيارة مرسي لم يسبق وأن تم قفل شوارع رئيسية لساعات طويلة بهذا الشكل، ولم تشهد المدن توقفاً تاماً لحركة المرور، مما يشير إلى طبيعة الحكم الذي يسعى السيسي إلى فرض سيطرة قصوى ومنع التحرك الطبيعي للمواطنين.
وأكد د. محمد علاء الدين أن هذه الإجراءات ليست مجرد تأمين زيارات رسمية، بل هي دلالة على نظام يخشى من الشوارع والمواطنين، ويتعامل معهم كخصوم، فهو يخشى أن يعرف الشعب حقيقة حكمه الذي وصفه كثيرون بالانقلاب العسكري القاتل للمدنيين.
لماذا يعطل السيسي مصالح المصريين والأجانب؟
الإغلاق المستمر للشوارع وإرهاق المواطنين الذي يصاحب كل حدث رسمي كبير يعكس تخبطاً إدارياً وسياسياً مقصوداً من النظام.
الهدف المعلن هو تأمين الضيوف، لكن الواقع يقول إن النظام يريد استعراض قوته والسيطرة بأقصى درجات القمع على حركة المواطنين، منعاً لأي احتجاج أو خروج عن النظام الرسمي.
الاقتصادي عبد الرحمن الشريف قال في تصريح له 2025 إن الإغلاق والتوقف المتكرر للأعمال في القاهرة الكبرى يكلف الاقتصاد آلاف الجنيهات سنوياً، وهذا الطرف يتحمله المواطن العادي، حيث تتوقف الصادرات، يتأخر الموظفون، ويقل معدل الإنتاج.
من ماذا يخاف السيسي؟
السيسي يخاف بالأساس من شعبه، من معرفة المصريين أن الحكم الذي جاء بانقلاب وحكم القبضة الحديدية هو ما يشل حياتهم اليومية ويرهن مستقبلهم السياسي والاقتصادي، وهو يخشى فكرة أن يعرف المصريين أنه منقلب وقتل الآلاف من أبناء شعبه، وأنه دمر المؤسسات الديمقراطية التي بدأها فبراير 2011، حيث أثبتت استطلاعات الرأي أن أغلبية كبيرة من المصريين يرفضون استمرار حكمه، خاصة في الفئات العمرية الأصغر من 40 عاماً، التي بلغت نسبة رفضها للنظام 74% في 2016، وارتفعت في السنوات التالية مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية.
تقدير حجم المتضررين وتأثير الإغلاق على المحافظتين الحيويتين
في يوم 18 سبتمبر 2025، تضرر من إجراءات الإغلاق في القاهرة والجيزة ما يقدر بنحو 1.5 إلى 2 مليون شخص، ما بين عمال وطلاب ومتقاعدين وزائرين أجانب حسب تقارير نقلتها مواقع محلية متعددة.
توقف حركة المرور في مناطق حساسة مثل ميدان الجيزة، محور 26 يوليو، وشارع الهرم أثر بشكل مباشر على أكثر من 300 ألف مركبة، مما خلق أزمة مرورية غير مسبوقة.
هذه المحافظات تشكل قلب الاقتصاد المصري، لذا فإن تعطيل مصالحهم يمثل ضربة جديدة للاقتصاد، يعزز معاناة الطبقات الوسطى والفقيرة، ويعرقل حركة الاستثمارات الأجنبية التي تحتاج إلى استقرار وانسيابية الحركة.
تعكس أزمة إغلاق الشوارع في القاهرة والجيزة بسبب موكب ملك إسبانيا المؤشرات الواضحة لحكم السيسي الذي يتعامل مع شعبه بالقمع والسيطرة، مخلاً بحياتهم اليومية ومصالحهم الاقتصادية، ويستمر في سياسة التشدد الأمني المبالغ فيه بعكس فترة حكم مرسي التي كانت أقل تأثيراً على الحياة العامة.
هذه الإجراءات تؤكد خوف النظام من شعبه وعدم ثقته به، في ظل أرقام إحصائية وثيقة عن رفض شعبي واسع للنظام، وكل هذه الأزمات تنعكس سلباً على الاقتصاد المصري ومكانة مصر كمركز اقتصادي حيوي في المنطقة.