شهدت أسعار التعليم في مصر ارتفاعًا جديدًا خلال أغسطس 2025 بنسبة 10% على أساس سنوي مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
الزيادة الأخيرة شملت جميع المراحل التعليمية، حيث ارتفعت أسعار التعليم قبل الابتدائي والتعليم الأساسي بنسبة 12.5%، والتعليم الثانوي العام والفني بنسبة 4.3%، وكذلك التعليم بعد الثانوي الفني، بينما قفزت رسوم التعليم العالي بنسبة 12.2%، وهو ما يعكس تصاعدًا غير مسبوق في تكلفة العملية التعليمية على الأسر المصرية.
 

عبء جديد على كاهل الأسر 
ويستعد 25 مليون طالب في مراحل التعليم المختلفة لانطلاق العام الدراسي الجديد في 20 سبتمبر الجاري، في حين انطلقت الدراسة بالفعل فى المدارس الدولية، غير أن السمة المشتركة هى أن الجميع يشكو ارتفاع «المصاريف» ليس فقط مصروفات المدارس الخاصة والدولية التي شهدت هذا العام ارتفاعاً كبيراً وفقاً لأولياء الأمور لكن الأمر يتعلق أيضًا بباقى الخدمات المرتبطة بالعملية التعليمية وفي مقدمتها أسعار «الباص» و«الزي المدرسي» و«السبلايز» إلى جانب الدروس الخصوصية التي طالتها الزيادة أيضًا، وهو ما يضرب ميزانية البيوت في مقتل.

ويشير العدد الهائل من الطلاب إلى أن غالبية الأسر المصرية لديها أبناء فى أى من مراحل التعليم المختلفة، وبالتالى فإن قطاعات كبيرة تتأثر حسب قدراتها وما تتطلبه المدارس التى يلتحق بها أبناؤهم، ما دفع عددًا من نواب البرلمان للدخول على خط هذه الأزمة، حيث طالب البعض بمعرفة الأسس والمعايير التي يتم اعتمادها لتحديد نسب زيادة المصروفات وآلية مراقبتها فى ضوء الأوضاع الاقتصادية الحالية.

الأهالي استقبلوا هذه الأرقام بصدمة كبيرة، إذ باتت المصروفات الدراسية عبئًا إضافيًا يضاف إلى الأعباء المعيشية المتفاقمة. تقول إحدى الأمهات: "كنا نكافح لنوفر لبس المدرسة والكتب والدروس الخصوصية، الآن حتى المصاريف الرسمية بقت فوق طاقتنا.. التعليم أصبح رفاهية مش حق"، في إشارة إلى أن الحق الدستوري في التعليم تحول إلى حلم بعيد المنال لكثير من الأسر.
 

استغاثات الأهالي: "أولادنا مش عارفين نعلمهم"
على مواقع التواصل الاجتماعي، أطلق الأهالي موجة من الاستغاثات تحت وسم #مصروفات_المدارس، حيث عبّر آلاف أولياء الأمور عن غضبهم من تجاهل الحكومة لمعاناتهم. أحد النشطاء كتب: "الحكومة رفعت المصاريف 10%.. طب المرتبات زادت قد إيه؟"، بينما غرد آخر: "عايزيننا نسيب أولادنا في الشارع؟ التعليم مش للأغنياء بس"، في انتقاد واضح لانعدام التوازن بين دخل الأسرة والتكاليف المتصاعدة.
وكتب جمال " فية حد مصدق ان التعليم في مصر مجاني والكتاب المدرسي الواحد في المرحلة الابتدائية ب ١٠٠ جنية غير دفع المصاريف إيلي بتزيد سنويا مثل الكهرباء والغاز تماما دوول عصابة يابابا ادفع عشان تتعلم وعشان تتعالج وعشان تلبس وعشان تاكل/ هتكلوا مصر يعني أنا قعد ١٠ سنين تلاجتى مفيهاش غير المية".

 

كما تداول البعض قصصًا مأساوية لطلاب اضطروا لترك التعليم أو التحول إلى مدارس حكومية بعيدة عن مناطقهم بعد عجز أسرهم عن سداد المصروفات، وهو ما يعكس تراجعًا خطيرًا في مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية.
 

تقارير : الزيادة تخطت الـ 30%
وفي هذا السياق، علّق الدكتور أيمن محسب، وكيل لجنة الشئون العربية بمجلس النواب وعضو الهيئة العليا بحزب الوفد، في تصريحات تلفزيونية سابقة، على شكاوى أولياء الأمور بشأن زيادات المصروفات الدراسية في المدارس الخاصة، مؤكدًا أن بعض المدارس قامت برفع نسب المصروفات السنوية بما يتراوح بين 30 و35%، وهو ما يتجاوز النسبة المقررة رسميًا.

وأشار محسب إلى أن وزارة التربية والتعليم هي الجهة المسؤولة قانونًا عن تحديد المصروفات، غير أن بعض المدارس تتحايل على ذلك عبر زيادة أسعار الكتب والسبلايز (المستلزمات) وإضافة بنود أخرى خارج بند المصروف الأساسي، مما يجعل “إجمالي المصروف يتوه” على حد وصفه، خاصة أن التفتيش يراجع فقط المصروف الأساسي دون البنود الإضافية.
 

أزمات التعليم المتراكمة
ارتفاع المصروفات ليس الأزمة الأولى التي يواجهها المصريون في ملف التعليم. خلال السنوات الأخيرة، تكررت استغاثات الأهالي بسبب:

  • تكدس الفصول الدراسية التي تضم أحيانًا أكثر من 70 طالبًا، ما يجعل العملية التعليمية شبه مستحيلة.
  • انتشار الدروس الخصوصية التي تحولت إلى منظومة بديلة ومرهقة ماديًا للأسر، بعد فشل المدارس في القيام بدورها الأساسي.
  • ضعف رواتب المعلمين ما دفع الكثير منهم للبحث عن مصادر دخل إضافية عبر الدروس الخصوصية أو الهجرة، ما انعكس على جودة التعليم.
  • غياب الرقابة على المدارس الخاصة والدولية التي تفرض مصروفات باهظة ورسومًا إضافية تحت مسميات مختلفة، في ظل صمت وزارة التربية والتعليم.

ويؤكد خبراء التعليم أن هذه المشكلات المتراكمة تجعل أي زيادة جديدة في المصروفات أشبه بصب الزيت على النار، لأنها تضرب في صميم الطبقة المتوسطة والفقيرة التي كانت تعتبر التعليم وسيلتها الوحيدة لتحسين أوضاعها.
 

الحكومة تبرر والأهالي غاضبون
الحكومة من جانبها بررت هذه الزيادات بارتفاع تكاليف التشغيل والصيانة وأسعار الكتب والطباعة، إلى جانب التضخم العام في الاقتصاد المصري. لكن الأهالي يردون بأن الحكومة تتعامل مع التعليم كسلعة تجارية لا كحق أصيل مكفول بالدستور، ما يؤدي إلى تعميق الفوارق الطبقية داخل المجتمع.
ويحذر خبراء من أن استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التسرب من التعليم، خصوصًا في الريف والمناطق الفقيرة، حيث لم تعد الأسر قادرة على تحمّل تكاليف أبنائها الدراسية.
 

نحو مستقبل غامض للتعليم
الوضع الحالي يطرح تساؤلات خطيرة حول مستقبل التعليم في مصر: هل سيظل حقًا متاحًا للجميع، أم يتحول تدريجيًا إلى امتياز طبقي للأغنياء فقط؟ وهل يمكن للنظام التعليمي أن يؤدي دوره في التنمية والعدالة الاجتماعية إذا استمر في استنزاف الأسر؟
المؤكد أن الزيادة الجديدة بنسبة 10% لم تكن مجرد أرقام في بيان رسمي، بل كانت صدمة حقيقية لآلاف الأسر التي لم تعد تعرف كيف توازن بين قوت يومها وتعليم أبنائها. وبينما تواصل الحكومة الدفاع عن قراراتها، يبقى التعليم – وهو أهم استثمار في أي مجتمع – مهددًا بالانهيار في بلد يرفع شعارات مجانية التعليم لكنه يطبق على الأرض سياسات مغايرة تمامًا.