أعلن المجلس الأعلى للآثار مؤخرًا عن إنشاء غرف عمليات متخصصة تعمل على مدار 24 ساعة، بزعم حماية الآثار من التهريب والتزوير.
الإعلان تضمّن الحديث عن غرفة للآثار الإسلامية والقبطية، وأخرى لآثار العصر الحديث. لكن هذا التصريح، الذي جاء متأخرًا سنوات طويلة،

قوبل بسخرية وانتقادات واسعة من خبراء ومتابعين، اعتبروا أن ما يُقال اليوم ليس سوى محاولة لتلميع صورة نظام غارق في فضائح تهريب الآثار وبيعها في المزادات الدولية، في وقت تُنهب فيه ذاكرة مصر التاريخية قطعة تلو الأخرى.
 

تهريب ممنهج  برعاية السلطة
منذ انقلاب السيسي عام 2013، توالت الأخبار والفضائح المتعلقة بتهريب الآثار المصرية إلى الخارج.
تقارير دولية أكدت وصول آلاف القطع النادرة إلى أسواق أوروبا والخليج والولايات المتحدة، بعضها معروض في مزادات علنية تحمل ختم "مصر".

المفارقة أن كثيرًا من هذه القطع جرى تهريبها عبر مسؤولين نافذين، أو عبر صفقات مشبوهة بمشاركة دبلوماسيين ورجال أعمال مقرّبين من السلطة.
المعارضون يقولون بوضوح: "النظام الذي هرب ونهب لا يمكن أن يحمي". فالحكومة التي فرّطت من قبل في تيران وصنافير، لا يجدون صعوبة في اتهامها بأنها فرّطت أيضًا في تراث المصريين لصالح أرباح مالية قصيرة المدى.
 

آثار شُطبت من السجلات الدولية
من أخطر ما كشفه خبراء الآثار في السنوات الأخيرة هو قيام الحكومة المصرية نفسها بـ"شطب" بعض القطع من السجلات الدولية للأنتيكات والمتاحف.
الهدف، بحسب روايات متطابقة، هو تسهيل بيعها في مزادات أوروبية وخليجية، بحيث تصبح "قطعًا مجهولة المصدر" قانونيًا، وليست مسروقة من المتاحف المصرية.

هذه الممارسات ليست مجرد إهمال، بل هي تواطؤ رسمي مكشوف، يرقى إلى جريمة بيع التاريخ الوطني.
 

خبراء: إعلان بعد خراب مالطا
الدكتور زاهي حواس – رغم قربه سابقًا من السلطة – اعترف في أكثر من مناسبة أن هناك "نهبًا منظمًا" للآثار، وأن الدولة فقدت السيطرة على كثير من المواقع الأثرية.

الدكتورة مونيكا حنا، عالمة الآثار المعروفة، أكدت أن معظم المزادات التي تعرض قطعًا أثرية مصرية تحمل أوراقًا رسمية، ما يعني أنها خرجت بطرق شرعية عبر مسؤولين رسميين.

أما الخبير سعيد المصري، أستاذ علم الاجتماع الثقافي، فقد وصف تصريحات المجلس الأعلى للآثار بأنها "مسرحية سياسية"، مشيرًا إلى أن "غرف العمليات" لن تمنع أي تهريب طالما أن الفساد متجذّر داخل المؤسسات.
 

نهب متواصل تحت غطاء الاستثمار
لا يقف الأمر عند التهريب المباشر. فمشروعات "التطوير" التي يروج لها النظام – سواء في العاصمة الإدارية أو مناطق سياحية كالأهرامات وسقارة – فتحت الباب أمام شركات إماراتية وأجنبية للسيطرة على المواقع الأثرية عبر عقود طويلة الأجل.
وهو ما يعتبره خبراء شكلاً آخر من "بيع الآثار"، حيث تتحول المواقع التاريخية إلى مراكز تجارية ومناطق استثمارية مغلقة، بلا أي احترام لقدسيتها أو هويتها.
 

وختاما فتصريح المجلس الأعلى للآثار عن "غرف عمليات للحماية" ليس إلا إعلانًا متأخرًا بعد خراب مالطا. فالتهريب لم يتوقف يومًا طوال السنوات الماضية، بل جرى برعاية أو غضّ طرف من السلطة نفسها.

ما يريده النظام اليوم هو تلميع صورته، في حين أن الحقيقة أوضح: أكثر حكومة فرّطت في التراث المصري لا يمكن أن تصبح حاميته. الآثار المصرية ليست مجرد حجارة أو تماثيل، بل هي روح وهوية وتاريخ. وإذا استمر الوضع على هذا الحال، فلن يبقى من ذاكرة مصر إلا صور في المتاحف الأجنبية، بينما الشعب نفسه يُحرم من حقه في رؤية تاريخه على أرضه.