أثار الأكاديمي والسياسي الإسرائيلي إيلي كوهين جدلاً واسعًا بعد ظهوره الإعلامي مؤخرًا وهو يؤكد أن "الجيش المصري لن يجرؤ على محاربة إسرائيل"، مضيفًا أن مصر كانت "أول المطبّعين" وأنها شريك أساسي في الترتيبات الأمنية التي تُحاصر قطاع غزة. تصريحات كوهين لم تمر مرور الكرام، إذ رأى فيها كثير من النشطاء والمعارضين دليلاً إضافيًا على أن السياسة الرسمية المصرية منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي للسلطة تسير في خط موازٍ مع المصالح الإسرائيلية، رغم الشعارات الرنانة التي يطلقها النظام دفاعًا عن القضية الفلسطينية.
https://x.com/i/status/1964430017922027577
 

التطبيع من كامب ديفيد إلى السيسي
التطبيع بين مصر وإسرائيل ليس جديدًا؛ فمنذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، تحولت القاهرة إلى أول عاصمة عربية تفتح باب العلاقات الكاملة مع تل أبيب، سواء على الصعيد الدبلوماسي أو الأمني. لكن ما يراه مراقبون اليوم هو أن مرحلة السيسي مثّلت نقلة نوعية في هذا المسار، حيث تزايد التعاون في ملفات الأمن والطاقة والغاز، وبرز دور القاهرة كشريك رئيسي في فرض حصار خانق على غزة عبر إغلاق المعابر أو تقييدها بشروط معقدة.
ويؤكد معارضون مصريون أن النظام الحالي يتخذ من الملف الفلسطيني وسيلة دعائية فقط، عبر خطاب عاطفي يدّعي الانحياز للقضية، بينما على الأرض يتسق مع السياسات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
 

بين الشعارات والواقع
على الرغم من تصريحات السيسي المتكررة في المحافل الدولية حول "دعم حقوق الشعب الفلسطيني"، إلا أن الواقع يُظهر تناقضًا صارخًا. فالمعابر المصرية مع غزة، وعلى رأسها معبر رفح، تخضع لقيود مشددة، وتفتح وفق حسابات سياسية وأمنية، ما يجعل حياة أكثر من مليوني إنسان في القطاع رهينة بقرار القاهرة.
كذلك، لعبت مصر دورًا بارزًا في تثبيت التهدئات المؤقتة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وهو ما تراه المعارضة المصرية انحيازًا واضحًا لرؤية تل أبيب التي تسعى إلى "إدارة" الصراع بدلًا من حله. تصريحات إيلي كوهين جاءت لتكشف هذا التناقض بوضوح: فبينما يُعلن النظام المصري نفسه مدافعًا عن حقوق الفلسطينيين، يؤكد الإسرائيليون أن القاهرة شريك أساسي لهم في خنق غزة سياسيًا واقتصاديًا.
 

انتقادات واسعة للنظام المصري
ردود الفعل على تصريحات كوهين جاءت غاضبة، خصوصًا بين أوساط النشطاء المعارضين في مصر والعالم العربي. اعتبروا أن كلام الأكاديمي الإسرائيلي لا يعكس فقط رؤية فردية، بل يعبّر عن قناعة راسخة لدى دوائر صنع القرار في تل أبيب بأن مصر لن تشكّل يومًا تهديدًا استراتيجيًا لها.
المعارضون ربطوا هذه التصريحات بما وصفوه "إضعافًا ممنهجًا" لقدرات الجيش المصري عبر انشغاله بمشروعات اقتصادية خارج اختصاصه، وتوريطه في قمع الداخل، بدل أن يظل مؤسسة دفاعية استراتيجية. كما أشاروا إلى أن وصف كوهين لمصر بـ"أول المطبّعين" يذكّر بأن القاهرة وفّرت الغطاء العربي المبكر لإسرائيل، ما مهّد لاحقًا لاتفاقيات مشابهة مع دول أخرى.
 

خطاب مزدوج ومأزق داخلي
يرى مراقبون أن مأزق النظام المصري يكمن في الخطاب المزدوج: في الداخل والخارج، يتحدث السيسي عن "خطوط حمراء" و"ثوابت قومية" تجاه فلسطين، لكن على المستوى العملي، تُدار العلاقات مع إسرائيل على قاعدة شراكة أمنية وسياسية كاملة.
هذه الازدواجية تُضعف مصداقية القاهرة أمام الشارع العربي، وتفتح المجال أمام أصوات إسرائيلية، مثل إيلي كوهين، لتتحدث بثقة عن أن الجيش المصري لن يجرؤ على المواجهة.

تصريحات إيلي كوهين لا يمكن النظر إليها كزلة لسان أو مجرد رأي أكاديمي؛ بل هي انعكاس لرؤية إسرائيلية ترى في مصر شريكًا لا خصمًا.
وبينما يواصل السيسي إطلاق خطاباته المليئة بالشعارات دفاعًا عن فلسطين، تكشف الوقائع اليومية عن سياسة مختلفة تمامًا، تضع القاهرة في موقع المتواطئ مع حصار غزة.
وهكذا، يصبح السؤال الذي يطرحه المعارضون اليوم: هل ستظل مصر أسيرة اتفاقيات وتفاهمات تجعلها رهينة في حسابات تل أبيب، أم أن لحظة المراجعة ستأتي يومًا؟