يعيش قطاع غزة مأساة إنسانية غير مسبوقة، إذ يواجه أكثر من 2.4 مليون فلسطيني خطر المجاعة والموت البطيء، فيما تؤكد تقارير الأمم المتحدة أن هذه الكارثة لم تكن حتمية، بل صناعة بشرية نتجت عن الحصار الإسرائيلي بدعم وتواطؤ إقليمي.
وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أعلنت بوضوح أن "المجاعة قابلة للتوقف"، مؤكدة أن مخازنها في مصر والأردن وحدهما تحتوي على مساعدات غذائية وطبية تكفي لملء نحو 6000 شاحنة.
هذه الكميات الضخمة، التي من شأنها إنقاذ مئات الآلاف من الأرواح، ما تزال عالقة على الحدود منذ شهور بسبب رفض الاحتلال إدخالها إلا بنسب ضئيلة لا تتجاوز 15% من الاحتياجات الفعلية.
مصر تغلق المعبر.. وملايين الأرواح رهائن قرار سياسي
المفاجئ أن هذه المساعدات، المتكدسة في المخازن المصرية تحديداً، لم تجد طريقها إلى غزة رغم أن القاهرة تملك مفتاح معبر رفح.
ورغم المناشدات الدولية والنداءات الشعبية، واصلت السلطات المصرية بقيادة عبد الفتاح السيسي سياسة إغلاق المعبر أو تقييد مرور القوافل الإنسانية.
هذا الموقف الذي يصفه مراقبون بأنه "خيانة قومية"، منح إسرائيل غطاءً إضافياً لاستمرار جريمة الإبادة بالتجويع، وحوّل مصر – التي طالما اعتُبرت "البوابة الطبيعية لغزة" – إلى شريك في خنقها.
سياسة ممنهجة للتجويع والنهب
التقارير الأممية والحقوقية تكشف أن الاحتلال لا يكتفي بالحصار، بل يدير عملية منظمة لنهب المساعدات.
إذ تسمح قواته بدخول كميات محدودة، ثم تسلّم جزءاً منها لعصابات محلية تعمل تحت حمايتها، لتباع لاحقاً في السوق السوداء بأسعار فلكية.
بهذه السياسة يتحول الغذاء والدواء من حق إنساني إلى وسيلة ابتزاز وقهر، فيما يبقى الفقراء والنازحون بلا حول ولا قوة أمام شبح الموت.
الإبادة: قصف وقتل وجوع
منذ السابع من أكتوبر 2023، أسفرت الحرب الإسرائيلية عن أكثر من 62 ألف شهيد و 157 ألف جريح، معظمهم نساء وأطفال، فضلاً عن آلاف المفقودين تحت الركام.
وعلى الجبهة الأخرى، وثقت الأمم المتحدة وفاة 273 شخصاً بسبب الجوع والعطش، بينهم 112 طفلاً، مع تحذيرات من ارتفاع الأرقام بشكل كارثي إذا استمر الحصار.
بهذا يتحول التجويع إلى وجه آخر من وجوه الإبادة الجماعية، جنباً إلى جنب مع القصف والتدمير، في جريمة موصوفة تحظى بغطاء دولي وإقليمي.
بين صمت العالم وتواطؤ الإقليم
ورغم صدور قرارات من محكمة العدل الدولية بوقف الإبادة وفتح ممرات إنسانية، لم تُجبر إسرائيل على الالتزام بها، بفضل الدعم الأمريكي غير المحدود.
في المقابل، خيّبت القاهرة آمال ملايين العرب، إذ اختارت الاصطفاف مع معادلة الحصار، لتتحول من "ملاذ" إلى "شريك" في إغلاق الأبواب.
رسالة الأونروا: الحل موجود لكن القرار غائب
تؤكد الأونروا أن إنهاء المجاعة ممكن ببساطة عبر إدخال آلاف الشاحنات المخزّنة في مصر والأردن، لكن هذا يتطلب إرادة سياسية، غائبة لدى الاحتلال ومترددة لدى مصر، التي فضلت حساباتها السياسية على حياة ملايين الفلسطينيين.