في خطوة جديدة لسد فجوة السيولة بعد تراجع الدعم الخليجي، أصدرت حكومة السيسي أول إصدار من الصكوك السيادية بالعملة المحلية بقيمة ثلاثة مليارات جنيه ولمدة ثلاث سنوات، فيما وصفته وزارة المالية بأنه جزء من استراتيجية لتنويع مصادر التمويل وخفض تكلفة الدين. ومع ذلك، يرى محللون أن هذه الخطوة تمثل استمرارًا لسياسات تدوير الدين وعجز الدولة عن توليد موارد إنتاجية حقيقية، أكثر من كونها ابتكارًا ماليًا.
تفاصيل الإصدار واستجابة السوق
أوضحت وزارة المالية أن الإصدار المحلي للصكوك بقيمة ثلاثة مليارات جنيه (نحو 63.4 مليون دولار) يمثل أول إصدار ضمن برنامج حكومي مستهدف يطرح صكوكًا تصل قيمتها الإجمالية إلى 200 مليار جنيه على مراحل. شهد الطرح تغطية قوية من البنوك والمؤسسات المالية، حيث تم تغطيته خمس مرات، مع متوسط عائد بلغ 21.56%، مقارنة بعائد 21.82% للسندات التقليدية ذات الأجل المماثل. ورغم أن الرقم أقل قليلاً من السندات التقليدية، إلا أنه يظل من بين أعلى معدلات الفائدة عالميًا، وهو مؤشر على حجم المخاطر التي يشعر بها المستثمرون تجاه الاقتصاد المصري.
تم بيع الصكوك من خلال 16 بنكًا رئيسيًا و4 بنوك إسلامية محلية، بنظام إجارة متوافق مع الشريعة الإسلامية، مع هيكلة ضريبية ومحاسبية مشابهة لسندات الخزانة.
دوافع الإصدار: عجز العملة وشح التمويل
يرى مراقبون أن اللجوء إلى الصكوك جاء في ظل تزايد عجز العملة الصعبة بعد تراجع المنح الخليجية وتراجع الاستثمارات الأجنبية وانخفاض إيرادات القناة والسياحة. في الوقت ذاته، طرح البنك المركزي أذون خزانة قصيرة الأجل باليورو بقيمة 600 مليون يورو لسد الفجوة التمويلية العاجلة.
ووفق بيانات البنك المركزي، ارتفع الدين الخارجي إلى أكثر من 161 مليار دولار حتى نهاية الربع الرابع من 2024/2025، مع استفحال عجز الحساب الجاري واستمرار هروب رؤوس الأموال الأجنبية من أدوات الدين التقليدية.
تحليل اقتصادي: تدوير الدين ومسكنات مؤقتة
يشير خبراء الاقتصاد إلى أن الطرح الجديد للصكوك يمثل في جوهره "تدويرًا للدين المحلي في قالب إسلامي لجذب شرائح لم تعد تثق في الأدوات التقليدية"، دون أي خطة إصلاح حقيقية للإنتاج أو التصدير. ويقول الدكتور محمود وهبة، خبير اقتصادي، إن الحكومة تبحث عن "مسكنات وقت إضافي للبقاء" وليس عن حلول مستدامة، معتبراً أن هذه السياسات تمدد الأزمة المالية بدلًا من حلها.
ويشير التقرير الرسمي إلى أن الدين العام الإجمالي بات يتجاوز 165% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعل الدولة مضطرة للاستدانة لتغطية فوائد وأقساط الديون، وهو ما يعرض الاقتصاد لخطر التعثر والإفلاس الهيكلي في ظل غياب موارد إنتاجية جديدة.
تداعيات اجتماعية ونقد السياسات
رغم شعارات "الشمول المالي وتنويع الأدوات الإسلامية"، يرى مراقبون أن هذه الصكوك لا تحقق نموًا حقيقيًا، بل تزيد أعباء المواطنين عبر الضرائب والتضخم. ويُحذر الاقتصاديون من أن استمرار الاعتماد على هذه الأدوات المالية يزيد هشاشة الاقتصاد، ويستمر في دفع الدولة نحو بيع الأصول وطرح ديون بأسعار فائدة مرتفعة قد يصعب الوفاء بها في حال انغلاق الأسواق أو تجدد التقلبات العالمية.
تعليق خبراء وسيناريوهات المستقبل
يؤكد الخبراء أن الحل الجذري يبدأ بالإصلاح الهيكلي للإنتاج والصناعة والتصدير، مع تعزيز الشفافية ووقف نزيف الموازنات، مؤكدين أن أي محاولة تكرارية لطرح الديون تمثل تأجيلًا حتميًا للأزمة. ويشير الدكتور محمود وهبة إلى أن الطرح المتزامن للصكوك بالعملة المحلية واليورو يعكس فقدان الثقة في الأدوات التقليدية وتحول السوق المالية المحلية إلى "أداة طوارئ لسد فجوة التمويل.
واخيرا فان الاقتصاد يعيش على الدين والمواطن يدفع الثمن
يُعد إصدار الصكوك السيادية خطوة تعكس عمق الأزمة المالية في مصر، إذ يمثل شراء وقت قصير على حساب المواطنين الذين يتحملون أعباء الضرائب والتضخم وارتفاع الأسعار. في ظل استمرار سياسة الاستدانة، يظل الأفق الاقتصادي مغلقًا أمام الإصلاح الحقيقي، مع توقع استمرار تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بينما تتحمل الشرائح الفقيرة وطأة هذه السياسات أكثر من غيرها.

