في تقرير نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم"، أكدت أن تل أبيب باتت تملك نفوذًا كبيرًا يمكنها من إجبار القاهرة على التراجع في ملفات حساسة، مستندة إلى ورقة الغاز الطبيعي التي تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى أحد أهم عوامل التأثير في العلاقات الثنائية.
فمع اعتماد مصر بشكل متزايد على الغاز الإسرائيلي لتأمين احتياجاتها من الطاقة ودعم صادراتها، تصبح هذه الورقة بمثابة أداة ضغط استراتيجية قد تؤثر في سيادة القرار السياسي المصري.
من الاكتفاء الذاتي إلى التبعية للغاز الإسرائيلي
قبل سنوات قليلة، أعلنت الحكومة المصرية تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي بفضل اكتشافات حقل "ظُهر" العملاق وغيره من الحقول في البحر المتوسط.
لكن الواقع تغيّر تدريجيًا مع تزايد الطلب المحلي وتباطؤ الإنتاج في بعض الحقول، في الوقت الذي تلتزم فيه القاهرة بتعاقدات تصديرية لدعم مركزها كمحور إقليمي للطاقة.
هذا الوضع دفع مصر لتوقيع عقود طويلة الأجل مع شركات إسرائيلية مثل "ديليك" و"نوبل إنرجي"، بقيمة تتجاوز 15 مليار دولار، لتوفير الغاز عبر خط الأنابيب الممتد من عسقلان إلى العريش.
هذه الصفقات جعلت مصر تعتمد بشكل متزايد على الغاز الإسرائيلي لإعادة تصديره عبر مصانع الإسالة في إدكو ودمياط، ما يمثل مصدرًا حيويًا للدولار في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة.
خبراء: إسرائيل تمتلك أداة ضغط "خطيرة"
يقول الخبير الاقتصادي أحمد السيد النجار:
"تحول مصر من دولة مكتفية ذاتيًا إلى مستوردة من إسرائيل يكشف خللًا في السياسات الاقتصادية للطاقة، ويجعل من الغاز أداة نفوذ بيد تل أبيب يمكن استخدامها في أي وقت لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية".
ويضيف: "أي توقف في الإمدادات يعني فقدان مصر لجزء كبير من صادرات الغاز المسال، وبالتالي خسائر في العملة الصعبة قد تصل إلى مليارات الدولارات سنويًا".
من جانبه، يرى المحلل السياسي حسن أبو طالب أن "إسرائيل تدرك حجم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، وتستغل هذه الورقة لتوسيع نفوذها الإقليمي. وربما تستخدمها للضغط في ملفات مثل التهدئة في غزة، أو لتأمين قبول القاهرة بمشاريع إقليمية تخدم تل أبيب".
الغاز كأداة نفوذ سياسي وأمني
بحسب "إسرائيل اليوم"، فإن الغاز الإسرائيلي لم يعد مجرد سلعة تجارية، بل أداة استراتيجية تمنح تل أبيب قوة ضغط على القاهرة.
وفي حال قررت إسرائيل خفض الإمدادات أو تعطيلها، فإن ذلك سيؤثر على قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها التصديرية، ما يعني خسائر اقتصادية ضخمة، إضافة إلى أزمة محتملة في توفير الغاز لمحطات الكهرباء والمصانع.
الأمر لا يقف عند الاقتصاد فقط، بل يمتد إلى ملفات الأمن القومي، إذ يمكن أن تطالب إسرائيل بمزيد من التنسيق الأمني في سيناء، أو بمواقف محددة في مفاوضات غزة، أو حتى في قضايا ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط.
وساطة إسرائيل في واشنطن.. النفوذ المضاعف
أشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل لا تعتمد فقط على ورقة الغاز، بل تلعب دورًا محوريًا في تعزيز العلاقات المصرية – الأمريكية، من خلال وساطتها لدى واشنطن لتأمين استمرار المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، وتخفيف أي ضغوط حقوقية أو سياسية.
هذا النفوذ المزدوج يمنح تل أبيب قدرة أكبر على فرض شروطها في ملفات إقليمية حساسة.
أزمة الاقتصاد المصري تعزز التبعية
تمر مصر بواحدة من أصعب أزماتها الاقتصادية منذ عقود، مع ارتفاع الدين الخارجي، وتراجع الاحتياطي النقدي، وشُحّ الدولار.
في هذا السياق، تصبح عائدات الغاز المسال مصدرًا أساسيًا للعملة الصعبة.
وأي تهديد لهذا المصدر – بخفض الإمدادات الإسرائيلية – يعني تفاقم الأزمة، وهو ما يجعل صانع القرار المصري في وضع حرج، يدفعه أحيانًا لتقديم تنازلات سياسية لتجنب الخسائر.
سيناريوهات محتملة للضغط الإسرائيلي
- ملف غزة: قد تربط إسرائيل استمرار تدفق الغاز بموقف مصري داعم لترتيبات أمنية جديدة في القطاع.
- منتدى غاز شرق المتوسط: إمكانية فرض أجندة إسرائيلية على القرارات التنظيمية للمنتدى.
- المواقف الدولية: الضغط على القاهرة لتبني مواقف أقل حدة تجاه السياسات الإسرائيلية في المحافل الدولية.
إلى أين تتجه المعادلة؟
يقول الخبير في شؤون الطاقة رمزي البرقي:
"إذا لم تتحرك مصر لتقليل اعتمادها على الغاز الإسرائيلي، فإنها ستدخل في دائرة نفوذ قد يصعب الفكاك منها. المطلوب تسريع تطوير الحقول المحلية، والاستثمار في الطاقة المتجددة، وتنويع مصادر الاستيراد حتى لا تصبح ورقة الغاز سلاحًا سياسيًا بيد إسرائيل".