خلال الأيام الأخيرة، انفجرت على السوشيال ميديا موجةٌ من الفيديوهات لشبّان وفتيات يوثّقون لحظات رعب داخل سيارات أجرة و”نقل ذكي” و”توك توك”، حيث بدا بعض السائقين فاقدي الاتّزان وتظهر عليهم بوضوح علامات تعاطي مواد مخدّرة أثناء القيادة. انتقل أثر هذه المقاطع سريعًا إلى الإعلام التقليدي وبيانات وزارة الداخلية، التي أعلنت ضبط بعض السائقين بعد انتشار الفيديوهات.

 لكن الصورة الكبرى التي تركتها تلك الأحداث لدى الجمهور كانت واحدة: انعدام الشعور بالأمان على الطرق، واتّساع فجوة الثقة في أنظمة الفحص والرقابة الاستباقية.
https://www.youtube.com/watch?v=tJRs0OWnMQ4
 

أمثلة موثَّقة بالفيديو… من “الأوبر” للحافلات

  • سائق تابع لتطبيق نقل ذكي (أوبر): تداول مستخدمون فيديو لسائق غير متّزن يُشتبه بتعاطيه “بودرة” أثناء القيادة على طريق سريع، ما أجبر الراكب على التدخّل لإنقاذ نفسه.
    تلا ذلك إعلان أمني عن توقيف السائق بعد رواج المقطع.
    هذه الواقعة رُصدت بتغطيات مرئية على يوتيوب ووسائل أخرى.
    https://www.youtube.com/shorts/yaMT8wTUE_Q
     
  • أتوبيس الرعب” في المطرية: مقطع آخر يُظهر سائق حافلة “نقل جماعي” يسير بشكل متعرّج وهو غير متّزن، قبل أن تُعلن الداخلية ضبطه. هنا تتجاوز الخطورة إطار سيارة خاصة إلى مركبة عامّة تحمل عشرات الأرواح.
    https://www.facebook.com/watch/?v=1499855098051207&t=1
     
  • مقاطع متكررة لركّاب ينجون في اللحظة الأخيرة: فيديوهات قصيرة تظهر ركّابًا يتحدثون عن سائق فقد وعيه على سرعة عالية، وأخرى توثّق ارتباكًا شديدًا لدى السائق وإيقاف المركبة قسرًا. هذه المقاطع صاغت “ذاكرة جماعية” لدى الجمهور بأن الظاهرة ليست حادثًا معزولًا.
    https://www.facebook.com/watch/?v=789657820402386
     
  • تغطيات وسائط متعدّدة: إلى جانب اليوتيوب، انتشرت النسخ المختصرة على حسابات مؤسسات إعلامية وصفحات أخبار، ما زاد زخمها وضغطها على الأجهزة لضبط المتورطين.
    https://www.instagram.com/reel/DNh9O8jpqjT/?utm_source=chatgpt.com
     

ماذا يقول الخبراء والبيانات المتاحة؟

على مستوى المعطيات الكلّية، تنشر صحف مصرية أرقامًا ودراسات تُظهر معدّلات مقلقة لتعاطي السائقين، مع تصدّر الحشيش والترامادول لقائمة المواد الأكثر استخدامًا. هذه الصورة، حتى إن اختلفت منهجيات جمعها، تدعم انطباع الجمهور بأن الخطر ليس ظرفيًا.

وفي تحليلات مهنية، يحذّر مختصّون من أن دوافع التعاطي بين السائقين تشمل ضغوطًا اجتماعية واقتصادية، وجهلًا بالعواقب، وأحيانًا ضعفًا في الثقافة المرورية؛ ما يجعل الردع القانوني وحده غير كافٍ دون تدخلات علاجية وتوعوية منظّمة.

أما الإطار القانوني والعقابي، فخبراء مرور ومسؤولون سابقون في الداخلية يذكّرون بأن العقوبات مشدّدة، لكن أثرها الردعي يتآكل عندما يتحوّل التطبيق إلى حملات موسمية بدل آليات فحص دائمة ومنتظمة، وعندما يأتي التحرّك بعد “الترند” لا قبله.
 

أين الخلل؟ إنفاذ متأخّر ومنظومة فحص لا تغطّي الجميع
الملاحَظ في معظم الوقائع أن التحرّك الأمني يأتي بعد انتشار الفيديو.
صحيح أن البيانات الرسمية تؤكد ضبط المتهمين سريعًا، لكن المنع كان يجب أن يسبق الوقوع: فحص دوري، اختبارات مفاجئة على الطرق، تدقيق حقيقي على سائقي التطبيقات، وتتبع شكاوى الركّاب لحظيًا.
وحين نقرأ أخبارًا متزامنة عن ضبط عشرات السائقين متعاطين في طرق إقليمية خلال حملات، نعلم أن الإمكانية موجودة؛ التحدّي هو استدامة الرقابة وتوسيع نطاقها.

الأخطر أن بعض المقاطع تخص حافلات نقل جماعي داخل أحياء مكتظة مثل المطرية؛ ما يعني أن الخطر عامّ وليس محصورًا في سيارات خاصة.
هنا يرتفع سقف المساءلة: كيف يمرّ سائق حافلة بهذه الحالة عبر نقاط التفتيش دون رصد؟ وأين سجلات الفحص الدوري لجهة التشغيل؟
 

دور الشركات والجهات المنظِّمة
تحتاج شركات “النقل الذكي” إلى مراجعة صارمة لاشتراطات القبول والمتابعة؛ فنجاح النموذج قائم على الثقة.
شهادات لركّاب غاضبين تتهم الشركات بضعف الفحص المسبق وغياب اختبارات المخدرات الدورية.
إن صحّ ذلك، فهو ثغرة تنظيمية يجب إغلاقها فورًا، بتكليف جهات محايدة لإجراء الفحوص الدوريّة وبروتوكول واضح لتعليق وحذف السائقين المخالفين.

وأخيرا فإن ما تكشفه هذه الموجة من الفيديوهات ليس مجرد “سلوكيات فردية شاذّة”، بل اختبار منظومي لسلامة النقل في المدن المصرية.
نعم، تتحرّك الأجهزة عقب الضجّة وتُعلن الضبط، لكن المواطن لا يريد مطاردة بعد وقوع الخطر، بل أمانًا وقائيًا عندما يفتح باب السيارة أو يصعد إلى حافلة عامة.
الطريق إلى ذلك معروف: فحوص دورية صارمة، رقابة مستمرّة لا موسمية، ومسؤولية مشتركة بين الدولة والشركات والركّاب أنفسهم.
وإلى أن يحدث ذلك، ستبقى مقاطع “السائق المسطول” تتكرر، وستظل ثقة الركّاب معلّقة بخيط رفيع بين وعي سائقٍ… وحسن حظّ.