في السبت 16 أغسطس 2025، وخلال عرضٍ لملف الأداء المالي أمام قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، أعلن وزير المالية أحمد كجوك أن الدولة استعانت بـ160 ألف معلم لسد العجز خلال العام الدراسي 2024/2025 بتكلفة 4 مليارات جنيه، مع الإشارة إلى تخصيص 6.25 مليارات جنيه لبرامج التغذية المدرسية في موازنة 2024/2025.
بحسب الوزير، جرى توظيف تلك الأعداد لسد العجز في مدارس التعليم قبل الجامعي، دون توضيحٍ لنوعية التعاقدات هل هي تعيين دائم أم تعاقد مؤقت أم حصص، أو توزيع المعلمين على المحافظات والتخصصات.
اللافت أن المبلغ المعلن وهو 4 مليارات جنيه إذا قُسِّم على 160 ألف معلم يساوي 25 ألف جنيه سنويًا للمعلم أي نحو 2.1 ألف جنيه شهريًا وهو رقم أدنى بكثير من الحد الأدنى الحكومي للأجور الذي رُفع إلى 7000 جنيه شهريًا اعتبارًا من يوليو 2025؛ ما يرجّح أن جزءًا كبيرًا من الاستعانة تم عبر صيغٍ مؤقتة (نظام الحصة، تكليف الخدمة العامة، أو عقود قصيرة الأجل)، وليس تعيينًا كاملاً على الدرجات الوظيفية.(
فجوة أعمق من "الإنقاذ اللحظي"
تقرير وزير التعليم في خريف 2024 أشار إلى عجزٍ يقارب 460 – 469 ألف معلم، وارتفاع كثافات الفصول بين 80 -200 طالب في مناطق عديدة، مع عجز في نحو 250 ألف فصل.
وفي تصريحات لاحقة، ومع إضافة فصول جديدة (قرابة 98 ألف فصل عام 2024)، قُدِّرت الفجوة بـأكثر من 665 ألف معلم إذا صحّت هذه الأرقام، فإن “حقن” النظام بـ160 ألفًا لن يغطي إلا ربع إلى ثلث الفجوة في أحسن الأحوال.
تناقضات التمويل.. التعليم بين أرقام الموازنات والقيمة الحقيقية
تتباهى حكومة مدبولي بأرقامٍ اسمية ضخمة للتعليم؛ منها 565 مليار جنيه للتعليم قبل الجامعي ضمن موازنة 2024/2025، لكن منظماتٍ حقوقية بحثية أكدت أن الإنفاق الفعلي كنسبة من الناتج تراجع إلى ما يقارب 1.7 % للتعليم خلال 2024/2025 دون بلوغ الاستحقاقات الدستورية، ما يعني تقلصًا في القيمة الحقيقية تحت ضغط التضخم.
ورغم تباطؤ التضخم السنوي بحلول يونيو - يوليو 2025 إلى نطاق 14 – 13.9 %، فإن القوة الشرائية للإنفاق التعليمي ما زالت متآكلة مقارنة بذروة 2023.
التعيين أم الحصة؟ تجربة سابقة تفضح المنهج
ملف سدّ العجز في 2024 تضمّن تشغيل 50 ألف معلم بالحصة ورفع مقابل الحصة إلى 50 جنيهًا، إلى جانب مسابقا "30 ألف معلم سنويًا" التي شابها بطءٌ في التعيين ونزاعات حول الاشتراطات والتمييز.
ما ترجمه مدرسون ومدرسات على الأرض إلى تعاقدات هشّة لا تضمن استدامة العملية التعليمية ولا تجذب الكفاءات، فإعلان "160 ألف" اليوم يبدو استمرارًا للمنهج نفسه، حلول مؤقتة لتسكين أزمة هيكلية.
وزير المالية قال نصًا إن الدولة "استعانت بـ160 ألف معلم لسد العجز بتكلفة 4 مليارات، وربط ذلك بتعزيز جودة التعليم، لكن غياب التفاصيل حول نوع التعاقد، متوسط الأجر، ومدة الاستعانة، يجعل الرسالة أقرب إلى دعاية مالية قبل بداية العام الدراسي، منها إلى سياسةٍ تعليميةٍ جادّة.
في المقابل، تؤكد تصريحات وزير التعليم السابقة أن العجز البنيوي أكبر بكثير، وأن تغطية 90% التي تحدّث عنها مسؤولون كانت عبر رفع النصاب وحلول تنظيمية لا تُنشئ وظائف دائمة.
لماذا يفشل النهج الحالي؟
- اختلال أولويات الإنفاق: رغم المليارات المعلنة، تتراجع نسبة التعليم من الناتج؛ فتتبدد الزيادات الاسمية أمام التضخم، ولا تتكوّن وظائف ثابتة بأجورٍ مجزية.
- التوظيف المؤقت ومنظومة الحصص: كلفة إجمالية متدنية (4 مليارات/160 ألفًا) تعني غالبًا تعويضًا ماليًا أدنى من الحد الأدنى المعلن، أو عملًا جزئيًا، ما يدفع الكفاءات للهجرة أو العمل خارج المهنة.
- إدارة بالأزمات: كل عام تُطرَح مسابقات ثم تتأخر إجراءات التعيين، وتتكرر الاستثناءات والاشتراطات التي تُقصي فئات، كما وثّقته منظمات حقوقية.
الأثر على الفصول والطلاب
طالما ظلّ العجز الرقمي بمئات الآلاف، ستبقى الكثافات عند مستوياتٍ خانقة من80 إلى 200 طالبٍ في الفصل وتتدهور جودة الشرح والمتابعة الفردية والتقويم، مهما تم تدوير المعلمين بين مدارس وإدارات، إن التحسّن الحقيقي يقاس بانخفاض الكثافة، زيادة المعلم المتفرغ، واستقرار الأجر، لا بعدد "المُستعان بهم" موسمًا بعد موسم.
المطلوب لإصلاحٍ جاد
- تحويل الاستعانة إلى تعيينٍ دائم مع تمويلٍ كافٍ يواكب الحد الأدنى للأجور ويستوعب تضخم الأسعار.
- خطة خمسية مُعلنة تُحدِّد سنويًا عدد المعلمين المُعيّنين فعليًا، توزيعهم الجغرافي والتخصصي، وعدد الفصول المُنشأة لخفض الكثافات.
- شفافية الموازنة التعليمية ونشر تفصيلي يبيّن نصيب الأجور والتدريب والبنية الأساسية، مع ربط الإنفاق بمؤشرات نتائج قابلة للقياس.
ما لم تتحول “الاستعانة” إلى توظيفٍ دائمٍ كريم الأجر ضمن خطةٍ شفافة، سيبقى شعار "سَدّ العجز" مجرّد تجميلٍ محاسبي لعطبٍ هيكليٍ يواصل إفقار المدرسة المصرية وتعميق انهيار جودة التعليم تحت حكم السيسي.