“كفاية كده.. سيبونا في حالنا” — بهذه الكلمات الموجعة، قالت ابنة معتقل سياسي رسالتها التي تداولها عدد من النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتكشف وجع آلاف الأسر التي تعيش ما وصفته بـ"بوابة الجحيم"، بين الخوف من الطرقات المفاجئة على الأبواب، والاستدعاءات الأمنية المتكررة التي لا تنتهي.

تبدأ الفتاة رسالتها بكلمات يختلط فيها الخوف بالألم:
“اترددت كتير قبل ما أكتب الكلام ده، بس يمكن يبقى زي خُرم إبرة أتنفس منه بعد طول كتم وقهر... مش عايزة أقول اسمي ولا اسم بابا، علشان سلامتنا، الكلمة بقت ممكن تودّي في داهية، والعيون في كل حتة”.
 

مرحلة جديدة من العذاب
تصف الابنة مرحلة ما بعد خروج والدها من المعتقل بأنها كانت بداية "نوع جديد من القهر"، على حد وصفها، إذ دخلت الأسرة في دوامة لا تنتهي من الملاحقات الأمنية والاستدعاءات المستمرة.

تقول في رسالتها:
“كل حاجة بتبدأ بتليفون، واحد من المخبرين بيتصل على بابا اللي شغال عامل بسيط، أو حتى على مديره في الشغل، ويقولوله: تعالى المركز حالًا، عاوزينك هناك.. وبابا يرد دايمًا: تمام، حاضر، علشان قالوله لو ما جيتش هنهدّ البيت على دماغكم”.
 

استدعاءات لا تنتهي وتهم محفوظة
وتضيف: “بيروح المركز، يقعدوا يحققوا معاه، يلفقوا له نفس التهم اللي حافظينها: تظاهر، توزيع منشورات، انتماء لجماعة محظورة.. وبعد كام يوم من الحبس يطلع بكفالة خمسة آلاف جنيه، وبعدين نعيش شوية ونرجع لنفس العذاب تاني”.
تحولت تلك الدورة الجهنمية إلى جزء من روتين الأسرة، فكل شهر ونصف تقريبًا، يتكرر السيناريو ذاته: استدعاء، احتجاز، كفالة جديدة، وفقدان الوظيفة.

تقول الابنة بحرقة: “كل مرة يطلع فيها، يكتشف إنه اترفد من شغله، ونبدأ ندوّر ونجري ونحاول نرضي الناس علشان يرجع، وبعد كام أسبوع يتصلوا تاني… تعالى المركز يا فلان”.
 

انهيار نفسي ومادي
لم يتوقف الأمر عند حدود القهر المعنوي فقط، بل امتد ليضرب استقرار الأسرة المادي والصحي.
“آخر مرة دفعنا الكفالة بعد ما بعنا مصدر أكل عيشنا اللي كنا بنعيش منه. بابا مريض، حالته الصحية بتسوء، ونفسيته بتنهار لأنه مش قادر يقولهم لا، خايف علينا”.

تحكي الابنة أن البيت بات “مليان خوف وقلق ومذلة”، مضيفة بعبارة تختصر وجع سنين: “إحنا مش عايشين.. إحنا بنحاول ننجو، كل خبط على الباب يخلي قلبنا يقع، وكل صوت غريب يرعبنا، إحنا اتعاقبنا لمجرد إننا اتولدنا في بيت فيه رأي مخالف”.
 

“ماكناش نعرف”.. رسالة إلى المجتمع
تختم رسالتها بنداء مؤثر للناس والإعلام: “انشروا الرسالة دي من غير أسماء. أنا بس عايزة الناس تعرف إن في بيوت كتير بتتعذب في صمت، وناس بتموت بالبُطء من غير صوت ولا حق، علشان محدش يقول بعدين: ماكناش نعرف”.

ثم تضيف في ختام كلماتها المليئة بالرجاء واليأس في آن واحد: “إحنا مش طالبين غير إننا نعيش في أمان.. مش أكتر، سيبونا في حالنا، كفاية كده”.
 

مأساة تتكرر بصمت
ورغم أن الرسالة لم تُذكر فيها أسماء أو تواريخ محددة، إلا أنها ليست حالة فردية. فشهادات مماثلة تتواتر من أسر المعتقلين السابقين الذين يعانون من متابعة أمنية مستمرة، واستدعاءات دورية دون سبب واضح، مما يضاعف معاناتهم الاقتصادية والنفسية.

تؤكد منظمات حقوقية أن “الاستدعاءات غير المبررة” تمثل انتهاكًا للقانون ووسيلة ضغط نفسي على الأسر التي دفعت بالفعل ثمنًا باهظًا من حياتها، بينما تستمر المآسي خلف الجدران بصمت.

https://www.facebook.com/ENHR2021/posts/851961947184866?ref=embed_post