في 18 أغسطس 2025 تقدّمت النائبة آمال عبد الحميد، عضو مجلس النواب ببرلمان العسكر عن نيتها تقديم مقترح لتعديل مواعيد العمل الرسمية في البلاد، بحيث تبدأ من 5 فجراً حتى 12 ظهراً بدلاً من النظام الحالي (يبدأ عادة من 8 صباحاً حتى 2 أو 4 عصراً).

تم توجيه المقترح إلى المستشار حنفي جبالي، رئيس المجلس، ورئيس الوزراء، مع بدء دور الانعقاد السادس للبرلمان في أكتوبر القادم.

تستند النائبة في رؤيتها إلى ضرورة "تغيير المفاهيم والعادات من أجل التنمية"، مشيرة إلى تجربة "نمور آسيا" في ربط النمو الاقتصادي بالانضباط في العمل، معتبرة أن هذا التوقيت المبكر سيرفع من كفاءة الموظف وإنتاجية الدولة، ويمنح المواطن وقتاً للأسرة والشؤون الحياتية.

وزعمت في تصريحات صحفية أن هذا التغيير سينعكس إيجابياً على الإنتاج القومي، مستشهدة بأهمية العمل المبكر "علمياً وصحياً".

قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي نفسه سبق وأشار في ديسمبر 2019 إلى فكرة العمل من الفجر، قائلاً: "لو المواطن اشتغل من 5 ونص الصبح لحد 12 هينتج كتير"، وهو الخطاب الذي أعيد تداوله بكثافة لتعزيز المقترح.

 

دوافع معلنة… وحقيقة مُغيّبة

يراهن المقترح على أن نقل الدوام إلى ساعات الفجر سيزيد التركيز ويخفّض التكدس المروري، غير أن هذه الرؤية تتجاهل حقائق بنيوية: جودة الإدارة العامة، كفاءة الخدمات، والبيئة التنظيمية هي المحدد الأكبر للإنتاجية ولساعة العمل التي يبدأ فيها الموظف يومه.

سبق لحكومة الانقلاب أن ربطت إصلاح كفاءة الجهاز الإداري بتغيير ساعات العمل (مثل دراسة 2024 لتمديد الدوام من 8 صباحاً إلى 4 عصراً)، لكن تبديل التوقيت لا يُصلِح إدارة ولا يُوفّر أدوات أو يردم فجوات المهارات.

 

حجم الجهاز الإداري

وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يضم القطاع الحكومي ملايين العاملين، مع تراجعٍ ملحوظ في الأعداد خلال العقد الماضي.

وفي المقابل، يقدَّر الاقتصاد غير الرسمي بما يقارب 50 % من الناتج، مع نحو 1.9 2  مليون منشأة خارج الإطار التنظيمي، أي أن نصف قوة العمل تقريباً لا تنطبق عليها “مواعيد الدولة” أصلاً، وأن أثر المقترح سيظل محصوراً في الشريحة الحكومية والرسمية، فكيف تُقاس قفزة إنتاجية وطنية بمقترح لا يمسّ نصف الاقتصاد؟

 

العمل الترقيعي.. هل يجدي تغيير المواعيد؟

ترى النقابات العمالية والعديد من البرلمانيين أنّ "مقترحات كهذه ليست إلا تصديراً للوهم"، وتجاهلاً جذرياً لأزمات العمل المصري الجوهرية: انخفاض الرواتب، انتشار البطالة المقنعة في الجهاز الإداري، غياب الكفاءة والحوكمة، وانخفاض الإنتاجية لأسباب لا علاقة لها بتوقيت العمل بل بفساد المنظومة الإدارية وسوء البنية التحتية.

كما رأت النائبة سناء السعيد، من الحزب المصري الديمقراطي، أن المقترح غير واقعي تمامًا: "هذا الاقتراح سيقلل من عجلة الإنتاج وليس العكس... كيف سيستيقظ أطفال الحضانة والطلاب في الشتاء الساعة 5 فجراً؟"، مؤكدة غياب أي دراسة حقيقية حول انعكاس المقترح على قطاعات مثل التعليم والصحة.

وفي السياق نفسه، أشار اتحاد نقابات العمال إلى أن الفكرة "غير قابلة للتطبيق في واقع الحياة المصرية" حيث أن البنية التحتية للنقل والحياة الاجتماعية ليست مهيأة لاستيقاظ ملايين العاملين فجراً أو إنهاء العمل وقت الذروة المناخية في الصيف.

 

أين تتشكل الإنتاجية؟

يُظهر يوليو 2025 تراجع التضخم السنوي في المدن إلى 13.9%  مع تضخم أساسي 11.6 %، لكن بند فوائد الدين في موازنة 2024/2025 يصل إلى نحو 1.834 تريليون جنيه قرابة 47 % من المصروفات، ما يعني أن عبء خدمة الدين أكبر بكثير من أي مكاسب متصوَّرة من “إعادة ضبط الساعة”، فالإنتاجية تتطلب استثماراً في التدريب، الرقمنة، الحوكمة، لا مجرد تقديم البصمة إلى الخامسة فجراً.

روّجت حكومة مدبولي في يوليو 2024 لوقف “تخفيف الأحمال” ثم عادت تُبرر انقطاعات متفرقة بأعطال فنية وحرارة مرتفعة، وفي ربيع 2025 تحدّث المتحدث باسم مجلس الوزراء عن نهاية أزمة تخفيف الأحمال صيف 2025.

إذا كانت بنية الطاقة نفسها غير مستقرة أو موضع شك مجتمعي، فكيف يُطلب من الملايين التنقل قبل الفجر والاعتماد على إضاءة ونقل عام ووقود في ساعة ذروة جديدة؟ الزمن ليس حلاً لبنية تحتية لم تُحسَم أزمتها.

 

النقل العام والأمن الاجتماعي

لن يتأتى دوام من الخامسة فجراً بلا حافلات وقطارات آمنة منتظمة قبل الرابعة فجراً، ولا بلا توفر حضانة مبكرة لأبناء العاملين، ولا بلا إنارة وأمن في شوارع الضواحي والقرى وقت السَّحَر.

التجربة تقول إن تغييرات المواعيد في الإدارات تُطبَّق على الورق بينما يظل الواقع محكوماً بـالبيروقراطية ونقص الموارد، ومن شأن بدء الدوام عند الـ5 فجراً أن ينقل ذروة الازدحام إلى الثالثة والرابعة فجراً، ويولّد “ازدحاماً مظلماً” أخطر على السلامة.

 

المقترح مقابل حقوق العامل

يرتبط المقترح بزعم رفع الإنتاجية، لكنه يتجاهل الصحة المهنية، اضطراب النوم، مخاطر التنقّل قبل الفجر، وبيئات عمل غير مكيّفة وأجوراً حقيقية تآكلت بفعل التضخم.

حين تضع الدولة نصف إنفاقها تقريباً لخدمة الدين، فإن الضغط على الموظف بتقديم موعد الدوام يصبح تحويلاً للأزمة إلى الأجر والوقت بدلاً من معالجتها عند مصدرها: الكفاءة والاستثمار والإدارة.

تثار دورياً نقاشات عن عدد العطلات الرسمية ومردودها على الاقتصاد، لكن قوائم العطلات المعتمدة تُظهر أن الجدول معروف ومحدود على مدار العام، وأن تفوُّق دولاً في الإنتاجية لا يرتبط بعدد الإجازات فقط بل بنوعية ساعات العمل وأدواتها، فتجريد المشكلة إلى “جداول يبتعد عن لبّها.. فكيف تُنتَج الخدمة العامة بسرعة، وبجودة، وبأقل تكلفة مواطن؟

على مدار السنوات الأخيرة، ركّز خطاب السلطة على “الانضباط والعمل من أجل الدولة”، بينما ظلّت إجراءات الإصلاح الإداري متعثرة بين انتقال الوزارات للعاصمة الجديدة وتجارب جزئية في تجزئة الدوام.

حتى حين أعلن رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي في يوليو 2024 وقف تخفيف الأحمال، أقرّ بإمكان حدوث انقطاعات “فنية” بسبب الحر، هذه المفارقات تذكّر بأن التصريحات لا تُترجَم دوماً إلى واقع منضبط يمكن البناء عليه لتغيير جذري في توقيت الدوام.

 

هل يُجدي المقترح؟

يبدو مقترح 5 فجراً–12 ظهراً أقرب إلى حلول شكلية تتفادى مواجهة جذور الأزمة:

  • حوكمة ضعيفة وقياس إنتاجية قائم على الحضور لا النتائج.
  • اقتصاد غير رسمي ضخم خارج دائرة التنظيم.
  • عبء دين هائل يلتهم الاستثمار في التدريب والرقمنة.
  • بنية نقل وطاقة لا تزال محل تشكك مجتمعي وتجارب متناقضة.

نعم، قد يخفّض المقترح بعض الازدحام ويُريح قطاعات محدودة، لكنه لن يرفع إنتاجية دولة ما لم يُقترن بخطة تشغيل ذكية: رقمنة كاملة للخدمات، مؤشرات أداء، مرونة ساعات بنظام المناوبات بحسب القطاع، وتعزيز سلامة النقل والإنارة، فالساعة ليست المشكلة؛ المشكلة منظومة تحتاج إلى إصلاح عميق، لا مجرد تقديم المنبّه.