لم يكن رفض دمشق حضور مفاوضات باريس مع قسد مجرد موقف سياسي، بل إعلان مواجهة مفتوحة ضد مخطط غربي – تقوده فرنسا – يهدف إلى إعادة رسم خريطة سوريا. وبينما تصر باريس على تقديم الأكراد كـ"شريك استراتيجي" في المستقبل السوري، ترى دمشق أن ما يجري هو محاولة لتقسيم البلاد تحت شعارات براقة."
ففي تطور جديد يهدد وحدة سوريا، كشفت تقارير سياسية وإعلامية عن تحرك فرنسي واسع لدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) سياسيًا وعسكريًا، ضمن خطة أوسع يقودها الغرب والكيان الصهيوني لإعادة رسم خريطة النفوذ في سوريا. هذه التحركات قوبلت برفض سوري رسمي، تُرجم في قرار وزير الخارجية أحمد الشرع بعدم حضور المفاوضات التي دعت إليها باريس مع ممثلي قسد، معتبرًا أنها مسار مشوه خارج الإطار الوطني.
الدور الفرنسي في شمال شرق سوريا
خلال الأشهر الأخيرة، كثفت فرنسا وجودها السياسي والميداني في مناطق سيطرة قسد، عبر إرسال مستشارين عسكريين وتقديم دعم لوجستي، إلى جانب محاولة إقناع أطراف معارضة بالانضمام إلى مجلس سوريا الديمقراطية. الهدف المعلن هو تهدئة التوتر بين قسد والفصائل المسلحة المدعومة من تركيا، لكن القراءة السياسية تكشف أن باريس تسعى لتهيئة الأرضية لنموذج حكم لا مركزي يعزز نفوذها في سوريا.
المؤتمر الدولي في باريس
دعت فرنسا إلى مؤتمر دولي في باريس لمناقشة مستقبل سوريا، مع التأكيد على أهمية شراكة سياسية وأمنية مع قسد، مقابل وعود برفع بعض العقوبات عن دمشق إذا التزمت بعملية انتقال سياسي تشمل دمج القوات الكردية في الجيش السوري. الرئيس إيمانويل ماكرون وصف قسد بأنها "حليف ثمين" في مكافحة الإرهاب، داعيًا إلى ضمان دورها في المرحلة الانتقالية.
خطوات عملية لدعم قسد
لم يقتصر التحرك الفرنسي على الدبلوماسية، بل شمل أيضًا دراسة نشر قوات فرنسية وأمريكية مشتركة على الحدود السورية التركية لحماية مناطق قسد من أي هجوم تركي محتمل. كما افتتحت الإدارة الذاتية مكتبًا تمثيليًا لها في باريس، واستقبلت فرنسا شخصيات كردية بارزة مثل مظلوم عبدي وصالح مسلم.
الموقف السوري الرسمي
دمشق رفضت بشكل قاطع عقد مفاوضات حول الملف الكردي خارج البلاد، مؤكدة أن الحوار يجب أن يتم داخل الإطار الوطني. وزارة الخارجية السورية شددت على أن إشراك قسد في مفاوضات باريس يمثل انتهاكًا للسيادة وتهديدًا لوحدة الأراضي السورية، ورأت أن ذلك يصب في مصلحة المخططات الغربية الرامية لتقسيم البلاد.
تحليل الأهداف الفرنسية
تحاول باريس تعزيز نفوذها الإقليمي عبر لعب دور الوسيط والمقرر في مستقبل سوريا، مستفيدة من علاقتها الوثيقة بقسد، ومتجاهلة حساسية الموقف التركي من أي دعم للأكراد. كما تعمل على فرض صيغة حكم لامركزية تمنح الأكراد صلاحيات واسعة، وهو ما تعتبره دمشق مقدمة للتقسيم.
رفض دمشق ومخاوفها
ترى الحكومة السورية أن أي عملية دمج لقسد خارج سلطة الدولة المركزية تمثل خطوة نحو تفكيك البلاد. كما ترفض دمشق الإملاءات الخارجية التي تفرضها باريس وواشنطن، وتعتبر أن وجود قوات أجنبية في الشمال الشرقي، تحت غطاء حماية قسد، يُبقي المنطقة في حالة احتلال غير مباشر.
البعد الإقليمي والدولي
الولايات المتحدة تدعم المشروع الفرنسي سياسيًا، وإن كانت تفضّل مسارًا تدريجيًا يضمن مصالحها النفطية في شرق الفرات. تركيا، من جانبها، ترفض تمامًا أي تحرك دولي يعزز سلطة قسد، وتعتبره تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
وفي الختام فتتقاطع المصالح الفرنسية والأمريكية والإسرائيلية في دعم قسد وإعادة رسم المشهد السوري بما يضمن نفوذًا طويل الأمد في المنطقة، بينما تصر دمشق على رفض أي صيغة تفاوضية تمس السيادة أو تهدد وحدة البلاد. الصراع على شمال شرق سوريا يبدو مرشحًا للاستمرار، ما لم يتم التوصل إلى حل يوازن بين مخاوف دمشق وطموحات القوى الغربية.