في تحول مفاجئ أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الثقافية والفنية العربية، أعلن المستشار تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه السعودية، أن موسم الرياض 2025 سيشهد نقلة نوعية في اختياراته، حيث سيركز على الفنانين السعوديين والخليجيين، بالإضافة إلى حضور نوعي لبعض الفنانين السوريين والعالميين، مؤكدًا أن الموسم لن يشهد الحضور الواسع الذي اعتادت عليه الجماهير من نجوم الفن المصري خلال السنوات الماضية.

هذا الإعلان لم يكن مجرد تعديل في برنامج ترفيهي، بل اعتبره كثيرون خطوة لها أبعاد سياسية وثقافية، وخاصة في ظل العلاقات التاريخية المتشابكة بين السعودية ومصر، لا سيما في المجالات الثقافية والفنية التي لطالما كانت ساحة تلاقٍ وتكامل بين البلدين، وليس منافسة أو إقصاء.

 

فن مصري... وغياب لافت

منذ انطلاق مواسم الترفيه في السعودية، كان للفنانين المصريين حضور ضخم ولافت.

حفلات ضخمة، عروض مسرحية، أعمال درامية، وبرامج جماهيرية، كان النجوم المصريون في صدارة المشهد، ليس فقط لأسباب فنية، بل لثقل مصر الثقافي والإعلامي في المنطقة.

لكن القرار الجديد بدا وكأنه قطيعة غير معلنة، أو على الأقل "تجميد" للعلاقة الفنية، ما أثار تساؤلات حادة: لماذا هذا التحول؟ ولماذا الآن؟

 

تركي آل الشيخ: موسم بروح سعودية

تصريحات آل الشيخ كانت واضحة: "موسم الرياض هذا العام سيكون مختلفًا. نعتمد بشكل أساسي على الفنانين السعوديين والخليجيين، مع بعض التواجد السوري والعالمي.

رؤيتنا أن نمنح فرصًا أكبر لمواهبنا". تلك الكلمات، التي بدت في ظاهرها دعمًا للطاقات المحلية، فُسّرت في الإعلام المصري وبعض الدوائر الثقافية على أنها تلميح لإقصاء متعمد للفن المصري، أو رد فعل على مواقف فنية أو إعلامية صدرت من بعض الفنانين المصريين في فترات سابقة.

 

ردود الفعل المصرية: غضب ومراجعة

القرار أثار صدمة في الوسط الفني والإعلامي المصري. وجاءت الردود بين الحادة والمتزنة، لكنها جميعًا حملت شعورًا بالغضب والتساؤل عن مصير العلاقة الفنية بين البلدين.

الإعلامي عمرو أديب، الذي يعد من أبرز الأصوات الإعلامية المصرية في السعودية من خلال برنامجه "الحكاية"، قال بوضوح: "الفنانون المصريون تحمّلوا كثيرًا من الهجوم والإهانات في موسم الرياض، رغم عطائهم الكبير للجمهور السعودي. الصبر قد نفد، وليس هناك مبرر لتحمل هذا الوضع بعد اليوم".

وفسر أديب كلامه بأنه لا يهاجم السعودية أو تركي آل الشيخ، لكنه يعبر عن شعور جماعي داخل الوسط الفني المصري بالإهانة.

أما وزير الإعلام الأسبق أنس الفقي، فاختار لهجة أكثر تحليلًا، وكتب منشورًا قال فيه إن قرار آل الشيخ لا يجب أن يُستقبل بالتشنج، بل بالمراجعة. وأضاف أن غياب الفن المصري قد يكون رسالة بأنه أصبح متكررًا أو نمطيًا، أو أن هناك رغبة في بناء موسم بملامح محلية خالصة. لكنه ختم بجملة لافتة: "علينا أن نغضب ونحن أمام المرآة، لا أمام الآخر".

الفنان أمير رمسيس، أحد أبرز المخرجين المصريين المعاصرين، اختار زاوية أكثر هدوءًا، وقال إن من حق أي دولة أن تدعم فنانيها، لكن السؤال الحقيقي يجب أن يكون: "لماذا نعتمد دومًا على الخارج في تشغيل فنّنا؟ ولماذا لا نقدم إنتاجًا يليق بنا داخل بلادنا؟".

 

الفن كأداة ناعمة للنفوذ

العديد من المحللين رأوا أن ما يجري ليس مجرد قرار إداري ثقافي، بل جزء من سياسة سعودية جديدة لإعادة صياغة خطابها الثقافي، والتحرر من التبعية الفنية لمصر، التي هيمنت على المجال العربي لعقود. السعودية اليوم تسعى لأن تكون مصدرًا للإنتاج الثقافي، لا مجرد مستورد له، وهذا ما يُفهم من تعبير آل الشيخ عن "رؤية الموسم" و"فرصة للمواهب المحلية".

لكن في المقابل، يرى مثقفون مصريون أن هذا القرار ينطوي على قدر من الإقصاء المجحف، خصوصًا أن الكثير من النجوم المصريين قدّموا للمواسم السعودية نجاحات ضخمة، وساهموا في جذب جماهير واسعة من مختلف أنحاء العالم العربي، بل وعملوا في ظروف مهنية راقية.

 

عودة الفن السوري... إشارة دبلوماسية؟

اللافت أيضًا هو التوجه الجديد نحو الاعتماد على مسرحيات وأعمال درامية سورية. وقد فُسر ذلك بأنه رغبة سعودية في فتح المجال مجددًا للفن السوري الذي كان له نفوذ كبير قبل الحرب، لكنه تراجع لصالح الدراما المصرية والخليجية. هذا الدعم الفني قد يحمل أيضًا رسائل سياسية ضمنية بشأن العلاقة مع دمشق، والتي تشهد تحسنًا تدريجيًا في الفترة الأخيرة.

 

هل الفن المصري بحاجة لمراجعة ذاته؟

أمام هذا المشهد، بدأ بعض الفنانين والمثقفين في مصر بإجراء مراجعة داخلية، وطرح أسئلة جادة: هل يعتمد الفن المصري على أمجاده الماضية فقط؟ هل يقدم محتوى حقيقيًا يجذب الجمهور العربي اليوم؟ أم أنه استسلم للتكرار وتجارة المواسم؟ هل فقد الفن المصري تفرده أمام المنافسات الخليجية والسورية والتركية؟ أم أن هناك ظلمًا واضحًا من جانب بعض الجهات التي تريد إنهاء تأثير مصر في المنطقة فنيًا؟

 

الفن بين السياسة والكرامة

ربما يكون الجانب الأخطر في هذه القضية هو ما شعر به بعض الفنانين المصريين من "إهانة معنوية"، أو إحساس بأن الفن المصري يُعامل باعتباره أداة يمكن الاستغناء عنها فجأة، رغم ما قدمه للساحة السعودية. في هذا السياق، فإن الكرامة الفنية أصبحت عنوانًا يتكرر كثيرًا في منشورات ومداخلات العديد من الفنانين المصريين، الذين طالبوا بألا يُنظر إليهم كعاملين مؤقتين، بل كمبدعين لهم قيمة ومكانة تستحق الاحترام.

 

مستقبل العلاقة الفنية بين مصر والسعودية

في ضوء هذه الأحداث، تظل العلاقة الفنية بين مصر والسعودية على المحك. فهل يعيد الفن المصري صياغة نفسه بما يجعله جديرًا بالاحترام والاستدعاء الدائم؟ وهل تنجح السعودية في تقديم موسم بروح محلية دون أن تفقد بريقها الإقليمي؟ أم أن هذه المرحلة مجرد لحظة توتر ستمر، لتعود الأمور إلى طبيعتها؟ الإجابة تعتمد على ما إذا كان الطرفان يريدان الشراكة، أم الاكتفاء بالاستقلالية الفنية.

وفي النهاية فإن قرار تركي آل الشيخ بإقصاء الفنانين المصريين من موسم الرياض 2025 ليس مجرد قرار فني، بل خطوة تثير الكثير من الأسئلة حول مستقبل الثقافة في المنطقة. مصر، التي لطالما كانت قِبلة الفن العربي، تجد نفسها اليوم مضطرة لإعادة النظر في مكانتها، واستعادة روحها الإبداعية. والسعودية، من جانبها، تسعى لإثبات أن لديها ما يكفي من الطاقات والإمكانات لقيادة المشهد الفني العربي.