تتواصل الحملات الأمنية في مصر بحق نشطاء ومؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي خاصة صانعي محتوى "تيك توك" و"التوكتوك" فيما تتصاعد الانتقادات الحقوقية والسياسية لتلك الإجراءات، معتبرةً إياها شكلاً من أشكال قمع الحريات وتضييق مساحات التعبير.
في هذا التقرير نستعرض أبرز تطورات هذه الاعتقالات، أسماء النشطاء المفرج عنهم أو ما يزالون قيد الحبس، دوافع الاعتقال الرسمية وغير الرسمية، وأبرز ردود الأفعال السياسية والحقوقية المدعومة بالأرقام والتواريخ.
موجة اعتقالات صُنّاع محتوى التوكتوك.. من هم ولماذا؟
شهدت مصر منذ 2020 توسعاً في الحملة الأمنية ضد المؤثرين، وتحديداً أولئك الذين يستخدمون التوكتوك والمنصات الرقمية لنشر محتوى متنوع بين الترفيه والساخر واليوميات. الحملة الأخيرة التي تصاعدت في يوليو وأغسطس 2025 طالت نحو ثمانية من مشاهير التوكتوك. من أبرز المقبوض عليهم:
- سوزي الأردنية: شابة مصرية (18 عاماً) تم القبض عليها في القاهرة الجديدة بعد بلاغات بانتهاك "القيم الأسرية" عبر محتوى اعتبر "غير لائق".
- محمد حسام (بطة) وصديقته نورا (منة): أوقفا بتهم "نشر الفجور والتحريض على الفسق" بعد نشر مقاطع وصفت بأنها خادشة للحياء، رغم أنها لا تختلف كثيراً عن محتوى عالمي مماثل.
- قمر الوكالة: صانعة محتوى ألقي القبض عليها لنشر فيديوهات خادشة للحياء سبق أن أُخلي سبيلها في 2022 بكفالة.
- شاكر محظور: بلوجر مشهور قدم نفسه كضابط شرطة سابق، اُعتقل وبحوزته سلاح ناري غير مرخص ومواد مخدرة.
- مداهم وبيتر تاتو: شبان لهم متابعون جدد على تيك توك والإنستغرام، أوقفوا بعد نشر فيديوهات تتضمن إيحاءات جنسية وألفاظًا اعتُبرت مخالفة لقيم المجتمع
أوضحت وزارة الداخلية أن عمليات القبض تستند إلى "بلاغات شعبية موسعة" تتهم النشطاء بـ"الاعتداء على القيم المجتمعية" و"إساءة استخدام مواقع التواصل"، في الوقت نفسه، تتصاعد أصوات حقوقية تعتبر هذه التهم غطاء سياسياً لتوسيع قبضة الأمن على مساحة التعبير الرقمي.
تفاصيل الاعتقال والإخلاءات: أين ومتى؟
في 3 أغسطس 2025 أعلنت داخلية الانقلاب المصرية القبض على عدد من صناع محتوى تيك توك، تزامناً مع بلاغات مبنية على مقاطع الفيديو المنشورة، التي تصفها السلطات بأنها "مسيسة أو مسيئة للعادات والتقاليد."
كان من بين المعتقلات "سوزي الأردنية" وصديقتها، كما شملت القائمة "مروة بنت مبارك" و"علياء قمرون" و "أم سجدة" و "أم مكة" ومؤثرين آخرين في مناطق متفرقة بين القاهرة والجيزة.
بالنسبة لإخلاءات السبيل:
في 11 مايو 2025، أمرت نيابة أمن الدولة العليا بإخلاء سبيل 105 متهمين كانوا محبوسين احتياطيًا، بعضهم من نشطاء التوكتوك، وذلك ضمن مراجعة قانونية دورية لحالات الحبس الاحتياطي.
في حالات أخرى، كانت بعض الإفراجات تتم بكفالة مالية، كما حدث مع "قمر الوكالة" عند إخلاء سبيلها في قضية سابقة عام 2022.
الأسباب والدوافع.. إلهاء إعلامي أم استراتيجية قمع ممنهجة؟
تباينت التفسيرات حول دوافع هذه الاعتقالات:
- رسمياً: تؤكد الجهات الأمنية أن الحملة تهدف إلى "حماية القيم المجتمعية" ومكافحة "إساءة استخدام المنصات الرقمية".
- نشطاء يرونها وسيلة للهيمنة الاجتماعية و"إلهاء" الشعب عن الأزمة الاقتصادية، عبر اختلاق قضايا فرعية وتقديم كبش فداء من شريحة الشباب والمهمشين.
يبرر النظام هذه الحملات بتغليظ العقوبة على ما يعتبره محتوى خادشاً وإثارة للفوضى، بينما يؤكد مراقبون أن المعايير غامضة والانتقاء انتقائي، مستشهداً بملاحقات سابقة لمؤثرات مثل حنين حسام ومودة الأدهم اللتين صدرت بحقهما أحكام بالسجن لاحقاً.
وصفت “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” الحملة بأنها تتضمّن نبرة طابع طبقي وأخلاقي مفروض بشكل تعسفي، ودعّت لوقف ملاحقة المحتوى عبر اتهامات غامضة.
“هيومن رايتس ووتش” قالت إن الحكومة المصريّة ترى وسائل التواصل الاجتماعي كتهديد وليس كأداة للتواصل، وترد باستخدام القوة على المحتوى الساخر أو المنتقد للنظام.
يعلق ناشطون سياسيون أن اعتقال المؤثرين في هذا التوقيت يُسهم في تصدير قضايا فرعية وإبعاد الأنظار عن القضايا الاقتصادية والمعيشية الكبرى، مثل التضخم والبطالة وتدهور قيمة الجنيه أمام الدولار.
سياسة أمنية أخلاقية منظّمة
وفق تصريحات لمحللين إعلاميين، تسيطر "لجنة رصد التريند" التابعة لجهاز الأمن الوطني على مراقبة المحتوى، وتعطي تعليمات شفوية بملاحقة أي حسابات تتجاوز عشرة آلاف متابع أو تحتوي على سخرية من “الرؤية الرسمية” .
وفي البرلمان، هدد النائب أحمد بدوي بإغلاق منصة “تيك توك” في مصر إذا لم تمتثل خلال مهلة 3 أشهر للتشريعات المحلية وقيم المجتمع المصري
مشهد التيك توك في مصر..
ينتمي عدد كبير من الشباب إلى طبقات معدمة يجدون في "تيك توك" ومواقع التواصل فرصة للاحتجاج وتنفيس الغضب، وفي حالات عدة منصة للانتقاد السياسي الساخر للحكومة وقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي.
أرقام ودلالات
- شملت آخر حملة اعتقالات في يوليو-أغسطس 2025، ما لا يقل عن 8 من أشهر صانعي محتوى التوكتوك، معظمهم في سن 18-24 عاماً.
- في آخر موجة إخلاء سبيل في مايو 2025، أُفرج عن 105 محتجزين بينهم مشاركون في نشاط رقمي.
- تكررت سابقاً حالات الإفراج بكفالة في قضايا خادش الحياء، منها 20 ألف جنيه للمؤثرة "قمر الوكالة" في 2022.
في ضوء ما حدث ويحدث حتى مطلع أغسطس 2025، تبدو حملة اعتقالات نشطاء "التيك توك" في مصر جزءاً من سياسة رسمية تضيق على حرية التعبير بأدوات أمنية وقضائية، وتلتف حول حق أصيل للمصريين أقره نص الدستور ووثائق حقوق الإنسان العالمية، والأمر لا يتعدى هندسة مشهد سياسي واجتماعي جديد للإقصاء من أي مساحة احتجاج أو انتقاد ولو كانت افتراضية تحت سقف غير مرئي لقمع الحريات باسم القانون والمجتمع.