في مساء الخميس، 31 يوليو 2025، أقدمت السلطات الماليزية بطلب مباشر من حكومة الانقلاب المصرية على توقيف الطالب المصري مروان محمد مجدي عثمان (28 عاماً)، إثر مشاركته في مظاهرة احتجاجية سلمية أمام السفارة المصرية في كوالالمبور.

لم تكتفِ سلطات الانقلاب المصرية بسحق كل صوت معارض داخل حدودها طوال سنوات حكم عبد الفتاح السيسي؛ بل امتدت ذراع القمع لتلاحق المعارضين في الخارج عبر التعاون الأمني والدبلوماسي مع دول أخرى، في نمط يتكرر مع آلاف المصريين المناهضين للنظام خارج مصر.

 

تفاصيل الحادثة

صبيحة الأول من أغسطس 2025، تصدرت الأنباء الحقوقية والإعلامية خبر اعتقال مروان عثمان، طالب الدراسات العليا بجامعة ماليزية بارزة، بعد أن دوّن عبارات على جدران السفارة المصرية تطالب بفتح معبر رفح لإغاثة غزة ودعم المدنيين الفلسطينيين.

اعتبرت السفارة الفعل “تهديداً للأمن القومي المصري” وبلغت الشرطة الماليزية، التي ألقت القبض على مروان ووجهت له تهم التحريض وخرق القوانين المحلية.

الحادثة ليست الأولى؛ عقب انقلاب الثالث من يوليو 2013 وإزاحة أول رئيس منتخب مدني، سجلت مصر في عهد السيسي أعلى معدلات اعتقالات للمعارضين السياسيين (نحو 60,000 معتقل سياسي حتى 2025 حسب هيومن رايتس ووتش).

واعتبرت جماعة الإخوان المسلمين “تنظيماً إرهابياً” منذ ديسمبر 2013، ما يجعل كل معارض محتمل للنظام عُرضة لملاحقة أمنية واتهامات ملفقة في الداخل أو الخارج.

قوبل توقيف مروان بتحرك عاجل من مركز الشهاب لحقوق الإنسان ومنظمة عدالة لحقوق الإنسان، محذّرين من احتمال قيام ماليزيا بترحيله في خرق صريح لمبدأ “عدم الإعادة القسرية” الذي يحظر تسليم أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه للتعذيب أو المحاكمة غير العادلة.

وأكدت منظمات حقوقية أن سجل مصر الحقوقي حافل بانتهاكات جسيمة ضد المعارضين: التعذيب، الإخفاء القسري، المحاكمات الصورية حتى وصلت نسبة الأحكام السياسية الجائرة إلى مستويات غير مسبوقة منذ 2014.

كتب الناشط يحيى حسين عبد الهادي: ترحيل مروان سيكون جريمة جديدة في سجل التعاون الدولي المشبوه مع نظام لا يعرف سوى الاعتقال والتعذيب كوسيلة لإسكات معارضيه.”

أصدرت منظمات حقوقية دولية، بينها Alkarama – ومقرها جنيف – ومجموعة  Justice for Human Rights، بيانًا مشتركًا في أول أغسطس تطالب فيه ماليزيا بـ:

  • وقف فوري لإجراءات الترحيل أو التسليم إلى السلطات المصرية.
  • احترام الالتزامات الدولية، وخصوصًا المادة ٣ من اتفاقية مناهضة التعذيب، التي تحظر ترحيل أي شخص إذا كان معرضًا لخطر التعذيب أو المعاملة القاسية.
  • وجاء في البيان أن ترحيله لمصر قد يعرّضه لـ "الاحتجاز التعسفي، التعذيب، والمحاكمة غير العادلة"، مستندين إلى تقارير دولية عن انتهاكات حقوقية واسعة في مصر، تُظهر تورّطًا منتظمًا في الاختفاء القسري وتقييد حرّية التعبير

 

تواطؤ سلطات السيسي والخارجية الماليزية..

تؤكد تسريبات إعلامية وحقوقية أن سلطات الانقلاب المصرية مارست ضغوطاً مباشرة على ماليزيا، تماماً كما حدث مع عشرات الحالات السابقة في تركيا ودول أخرى، ليس لذنب جنائي حقيقي، بل فقط بسبب التعبير عن الرأي أو ممارسة احتجاج سلمي، بهذا أضحى كل معارض مصري بالخارج مهدداً، إذ لم تعد حدود القمع تنحصر في الداخل المصري.

وفي تبريرها، زعمت خارجية الانقلاب المصرية أن هذه المظاهرات في الخارج “تخدم إسرائيل وتُضعف الكفاح الفلسطيني”، في تناقض فج مع ما يطالب به المحتجون من دعم لغزة وفتح المعابر.

 

انتصار الضغط الحقوقي

أمام كثافة الضغوط الحقوقية والإعلامية، أصدرت محكمة ماليزية في 4 أغسطس 2025 قراراً بإخلاء سبيل مروان محمد مجدي عثمان.

شكّل الإفراج صدمة للمؤسسة الأمنية المصرية التي كانت تراهن على ترحيله فورياً لمحاكمته بتهم "خيانة عظمى".

لكنّ المنظمات الحقوقية المصرية والدولية شددت على ضرورة توفير حماية لمروان وعدم تكرار مأساة تسليم لاجئين آخرين.

ما زال مروان يواجه مخاطر قانونية؛ فالقضية لم تغلق تماماً، ويخشى متابعوه من إمكان استغلال ضغوط سياسية مستقبلية لإعادة فتح ملف ترحيله، خاصة وسط السوابق التي سجلت مؤخراً في تعامل أنقرة مع قضايا مشابهة.

رغم محاولات السيسي وحكومته منذ 2019 تصدير صورة "الاستقرار" عبر التعهدات بالإصلاح الحقوقي أمام المجتمع الدولي، إلا أنّ الوقائع تفنّد هذه السردية: تهجير مئات آلاف الأسر برفح وسيناء، قمع كامل لأي صوت إعلامي أو سياسي معارض، تصدر مصر مؤشرات الإعدامات الجماعية والمحاكمات العسكرية للمدنيين منذ 2015، واستمرار ابتزاز المعارضة بالخارج عبر الملاحقة الدولية وتوظيف الشبكات الدبلوماسية.

وتفيد شهادات حقوقية بأن 92% ممن أُعيدوا قسرياً إلى مصر تعرضوا للاعتقال الفوري أو التعذيب وسوء المعاملة من أول لحظة وصولهم مطار القاهرة، وبعضهم اختفى قسرياً لأسابيع أو أشهر.

 

ملحوظة إحصائية..

منذ يوليو 2013 وحتى أغسطس 2025 قُدرت أعداد المصريين المطاردين بالخارج بنحو 10 آلاف شخص، معظمهم من الشباب والناشطين، فيما وصل عدد المعتقلين السياسيين داخل مصر إلى 60,000 معتقل، اللافت أن هذه الأعداد مرشحة للزيادة، مع استمرار نظام السيسي في تعقيد المشهد الحقوقي والسياسي يوماً بعد يوم.

تظل قضية مروان محمد مجدي عثمان دليلاً دامغاً على أزمة الحقوق والحريات في مصر السيسي، وتكشف حدود ما يمكن للضغوط الحقوقية والإعلامية الدولية أن تحققه في مواجهة سلطة لا ترى في المواطن إلا رقماً في قائمة المعتقلين، أو صوتاً يجب إسكاته بأي ثمن.

كما تمثل قصة مروان نموذجاً لتجارب آلاف الشباب المصري الطامحين في حياة كريمة وتعليم آمن بالخارج، والذين يجدون أنفسهم مطاردين بذريعة الانتماء السياسي أو حتى مجرد التعبير عن الآراء، النتيجة: التهديد بالتسليم إلى دولة سجنت شبابها وزجت بهم في المعتقلات، وقتلت الأمل في مستقبل ديمقراطي.