بقلم: مصطفى عبد السلام
يجيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ممارسة سياسات الابتزاز والسمسرة والتهديد والبلطجة وخلط الأوراق، بل والكذب والاحتيال والنفاق والغرور، وأحيانا يتصرف وكأنه رئيس عصابة، لا رئيس أكبر دولة في العالم صاحبة أقوى اقتصاد. والغريب أنه يمارس هذا “الكوكتيل” من الصفات الذميمة خلال فترة زمنية قصيرة قد لا تتجاوز اليوم الواحد.
هذا السلوك المعقد والمركب ظهر واضحاً خلال اللقاء الذي جمع ترامب برئيس الوزراء الكندي مارك كارني مساء أمس الأربعاء، إذ ذهب المسؤول الكندي لمقابلة الرئيس الأمريكي لبحث قضية اقتصادية بحتة، وهي الاتفاق على اتفاق تجاري يتعلق بطيّ ملف الرسوم الجمركية وينهي النزاع التجاري بين البلدين.
وخلال اللقاء، قال كارني إن بلاده تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة خلال شهر سبتمبر المقبل، هنا تكهرب الجو داخل مقر البيت الأبيض ومارس ترامب سياسة البلطجة والابتزاز على ضيفه على نطاق واسع، حيث علق قائلاً إن “عزم كندا على الاعتراف بدولة فلسطين يجعل التوصل إلى اتفاق تجاري معها صعباً للغاية”.
السؤال: ما الرابط بين إبرام اتفاق تجاري بين البلدين، وطيّ ملف اقتصادي معقد، ووضع نهاية لحرب تجارية عالمية أشعلها ترامب منذ أشهر، وبين اعتراف كندا بدولة فلسطين رداً على جرائم الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل في غزة؟
لا رابط سوى أن ترامب أراد أن يعلي الموجه على ضيفه الكندي، ويظهر على أنه أكثر صهيوNية، ويحابي دولة الاحتلال، ويمارس سياسة الغطرسة والابتزاز والبلطجة على الجميع، حصل ذلك من قبل مع قادة أجانب منهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وخمسة قادة أفارقة وغيرهم.
نفهم أن الولايات المتحدة تمارس دورها التقليدي باعتبارها الداعم الأول لدولة الاحتلال مالياً واقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، لكن هل بتلك البجاحة والدرجة الفجة التي يمارسها ترامب على ضيوفه بحيث يكون الربط بين تمرير ملف اقتصادي حساس هو الاتفاق التجاري بين أوتاوا وواشنطن، وقضية الاعتراف بفلسطين من قبل عدة دول، منها كندا وبريطانيا وإسبانيا وفرنسا.
البلطجة ستكلف الولايات المتحدة والأسواق الدولية ثمناً فادحاً، إذ إنها تؤكد أن ترامب لا يحترم استقلالية البنك الفيدرالي، وغير مؤمن بها من الأصل، وهو ما يهز الثقة والمصداقية في قرارات الفيدرالي أمام كل البنوك المركزية وسلطات النقد في العالم
نموذج آخر من الصفات الاستثنائية التي يتمتع بها ترامب، فاليوم الخميس انتهت المهلة التي منحها لدول العالم لإبرام اتفاق تجاري، وإلا فالخضوع لعقوبات اقتصادية وتجارية ورسوم جمركية عالية على وارداتها للأسواق الأمريكية، وبعد أن أعلن ترامب في نهاية شهر إبريل الماضي أن هناك 200 دولة جاهزة لتوقيع اتفاق تجاري شامل مع الولايات المتحدة تحصل بموجبه تسوية ملف النزاعات التجارية التي اشعلها عقب توليه منصبه، نفاجأ اليوم بأن عدد الاتفاقات الموقعة بالفعل لا يتجاوز الثمانية، يرتفع العدد إلى 12 بعد توقيع اتفاقات على عجل أمس الأربعاء مع كل من كوريا الجنوبية وتايلاند وباكستان وكمبوديا، وأن ترامب فشل في توقيع اتفاقات مع قوى اقتصادية كبرى، منها الصين والهند وكندا والمكسيك والبرازيل وماليزيا. بل إن دولاً ذات اقتصاديات قوية تجاهلته من الأصل مثل سنغافورة وروسيا.
بلطجة ترامب لا تتوقف على الخارج، فهو يمارس سياسة بلطجة ممنهجة ضد رئيس البنك الفيدرالي الأمريكي جيروم باول حينما يهدده من وقت لآخر بالإقالة من منصبه في حال عدم خفض سعر الفائدة على الدولار، بل ويصفه بالغبي والمتأخر كما جرى اليوم بسبب رفض باول خفض الفائدة في اجتماع البنك أمس الأربعاء.
هذه البلطجة ستكلف الولايات المتحدة والأسواق الدولية ثمناً فادحاً، إذ إنها تؤكد أن ترامب لا يحترم استقلالية البنك الفيدرالي، وغير مؤمن بها من الأصل، وهو ما يهز الثقة والمصداقية في قرارات الفيدرالي أمام كل البنوك المركزية وسلطات النقد في العالم، السؤال هل يعي ترامب تلك المخاطر؟