في واحدة من أخطر صور الانتهاكات التي تطال النساء، تتوالى الشهادات المفزعة التي تكشف عن تعرض زائرات سجن المنيا شديد الحراسة لتحرش ممنهج وتفتيش جسدي مهين، في انتهاك فاضح للكرامة الإنسانية، ووسط صمت رسمي تام.
وتصف منظمات حقوقية هذه الممارسات بأنها "نوع من التعذيب النفسي المنظم"، يهدف إلى إذلال عائلات المعتقلين وردع أي تضامن إنساني معهم.
شهادات موجعة: التفتيش يتحول إلى إذلال علني
كشفت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، في تقرير حديث، عن شهادة صادمة لإحدى السيدات اللواتي توجهن لزيارة قريب لهن في سجن المنيا.
تقول السيدة: "دخلنا على أمل تحسن الوضع بعد كل الشكاوى، لكن ما حدث كان أسوأ من كل مرة. طلبت الشرطية خلع النقاب والطرحة، ثم رفع العباية والبادي، حتى أصبحت شبه عارية، كل ذلك بحجة التفتيش، رغم وجود أجهزة قادرة على كشف أي ممنوعات. الاعتراض يعني إلغاء الزيارة، وأنا سافرت وخرجت من بيتي قبلها بيوم كامل".
تكرار مثل هذه الشهادات دفع الشبكة إلى إصدار بيان رسمي، أكدت فيه أن هذه الانتهاكات ليست حالات فردية، بل "ممارسات ممنهجة تهدف إلى كسر إرادة الأهالي وتوسيع دائرة العقاب لتشمل كل من يمتّ بصلة للمعتقل".
سياسة ترويع العائلات.. العقوبة تتجاوز السجين
وأشارت الشبكة إلى أن التحرش والتفتيش المهين بحق الزائرات أصبح أداة ضغط ممنهجة تمارسها إدارة السجن، في ظل غياب المحاسبة، حيث تتكرر الشكاوى دون أن تجد آذانًا صاغية من قبل السلطات، بل يُقابل الاعتراض بالتهديد بإلغاء الزيارة، أو في بعض الأحيان منع الأهالي من دخول السجن نهائيًا.
وأكد البيان أن هذه السياسات تهدف إلى "خلق مناخ من الترهيب الدائم، وإيصال رسالة مفادها أن مجرد محاولة زيارة السجين قد تتحول إلى تجربة إذلال لا تُحتمل".
وقد دفعت هذه السياسات بالكثير من العائلات إلى الامتناع عن اصطحاب بناتهم الصغيرات في الزيارات خوفًا من تعرضهن للتحرش أو الانتهاك.
انتهاكات ممنهجة تطال ذوي السجناء
ولا يقتصر الأمر على التفتيش الجسدي المذل، إذ تفيد تقارير محلية ودولية بتعرض ذوي المعتقلين، لا سيما من النساء، لمعاملة قاسية ومهينة، تشمل الانتظار لساعات طويلة في طوابير التفتيش، ومراقبة الزيارات بالصوت والصورة، والتضييق على محتويات الزيارة، وحتى رفض إدخال الملابس أو الأدوية الضرورية.
وتؤكد التقارير أن هذه المعاملة لا تستند إلى أي مبرر أمني، بل تهدف إلى الإذلال المتعمد، وزيادة المعاناة النفسية لعائلات السجناء، ما أدى إلى نتائج كارثية على الصحة النفسية لهؤلاء، وخاصة الأمهات والزوجات اللاتي يعشن تحت ضغط دائم، في ظل تهديدات متكررة بالاعتقال أو الملاحقة الأمنية إذا ما تحدّثن عن هذه الانتهاكات علنًا.
منظمات حقوقية: ما يحدث مخالف للقانون الدولي
أعربت عدة منظمات حقوقية بارزة، منها "هيومن رايتس ووتش"، و"العفو الدولية"، و"مبادرة الحرية"، عن قلقها العميق إزاء ما وصفته بـ"الانتهاكات الممنهجة" في السجون وعلى رأسها سجن المنيا شديد الحراسة. وأكدت هذه المنظمات أن ما تتعرض له النساء الزائرات يمثل انتهاكًا صارخًا للاتفاقيات الدولية، خاصة اتفاقية مناهضة التعذيب، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكافة المعايير الأممية لحقوق السجناء وذويهم.
وأكدت هذه المنظمات أن الانتهاك الجسدي أو النفسي للنساء خلال التفتيش يرقى إلى "جريمة أخلاقية وقانونية"، خاصة في ظل غياب الشفافية والمساءلة داخل مؤسسات الاحتجاز في مصر.
دعوات للتحقيق ووقف الممارسات المهينة
وفي ظل استمرار هذه الانتهاكات، دعت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" إلى فتح تحقيق عاجل وشفاف، ومحاسبة كل من تورط أو تغاضى عن هذه الانتهاكات. وطالبت باستخدام وسائل تفتيش حديثة وآمنة تحترم خصوصية النساء، دون اللجوء إلى "التفتيش اليدوي الفاضح"، الذي لا يُستخدم في الدول التي تحترم الإنسان وكرامته.
كما شددت الشبكة على أن "التحرش الجنسي" تحت ستار التفتيش لا يمكن تبريره تحت أي ظرف، بل هو "فاحشة تمارس على مرأى ومسمع من الجميع"، ويجب أن يتوقف فورًا، احترامًا لأبسط القيم الإنسانية.