شهد ملف البطالة في مصر خلال العهدين الرئاسيين الرئيس الشهيد محمد مرسي والانقلابي عبد الفتاح السيسي تحديات اقتصادية واجتماعية متشابكة، مع اختلافات في السياسات والنتائج التي أثرت على حياة المصريين.
نستعرض في هذا التقرير مقارنة موضوعية مدعمة بالأرقام والتصريحات وأراء الخبراء.
 

مؤشرات البطالة بين العهدين
   تشير الدراسات إلى أن معدل البطالة في مصر تراوح بين 12.7% و13.4% خلال عهدي مرسي والسيسي على حد سواء، مما يدل على استمرارية أزمة البطالة دون تحسن جذري، مع ذلك، يبرز أن نسبة الفقر ارتفعت بشكل ملحوظ في عهد السيسي، حيث أكدت مسؤولة البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في مايو 2015 أن 40% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، وهو مؤشر على تدهور الأوضاع الاقتصادية رغم ثبات نسب البطالة.
 

السياسات الاقتصادية وتأثيرها على البطالة
   
في عهد مرسي، واجه الاقتصاد المصري أزمات متراكمة من عهد مبارك، إضافة إلى أزمات جديدة سياسية واقتصادية، منها نقص الوقود وانقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار التي أثرت على سوق العمل.

رغم ذلك، تبنت حكومة مرسي سياسات تهدف إلى تحسين أوضاع العمال والفلاحين، مثل إعادة هيكلة الأجور، وتعديل قوانين التأمينات والمعاشات لتشمل الفئات المهمشة، ودعم المشروعات الصغيرة في الزراعة والثروة الحيوانية، إضافة إلى وعود بتطوير الاتحاد التعاوني الزراعي وحماية العمالة المؤقتة.

كما شهدت فترة حكمه ارتفاعاً في معدل نمو الناتج المحلي من 1.8% إلى 2.4% خلال الأشهر التسعة الأولى.

على النقيض، اتسم عهد الانقلابي السيسي بسياسات اقتصادية تعتمد على القروض والاقتراض المكثف، ما أدى إلى زيادة الدين العام بشكل خطير، حيث بلغ الدين المحلي نحو 301.5 مليار دولار والدين الخارجي حوالي 47.8 مليار دولار في نهاية 2015.

مقارنة بعهد مرسي الذي سجل فيه الدين المحلي نحو 238.06 مليار دولار والدين الخارجي 43.23 مليار دولار.

ومع بداية عهد الانقلابي السيسي ارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 27.9%، مع استمرار أزمة الكهرباء والاعتماد على مساعدات خليجية بقيمة 4 مليارات دولار.

بلغ معدل البطالة في عهد مرسي وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء نحو 12.7 % في منتصف 2013، بينما تجاوز عدد العاطلين 3.6 مليون شخص.

رغم قصر فترة حكمه، اتُّهمت حكومته بالعجز عن توفير فرص العمل الكافية، لكن المؤشرات كانت تشير إلى توجه نحو تحفيز المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع التصنيع المحلي.

في المقابل، أعلن الجهاز المركزي أن معدل البطالة في مصر تراجع إلى 7.1% في الربع الثاني من عام 2023 في عهد السيسي.

غير أن هذا الرقم وُوجه بتشكيك من اقتصاديين، أبرزهم الدكتور خالد عبد الفتاح، الذي اعتبر أن "الانخفاض الاسمي لا يعكس واقعًا اقتصاديًا، بل يعكس اتساع رقعة العمل غير الرسمي والهجرة الداخلية والخارجية القسرية من سوق العمل المنظم".
 

العمالة المؤقتة والاستغلال
   
أحد أبرز ملامح عهد السيسي في ملف البطالة هو التوسع في العمالة المؤقتة، وأشار تقرير صادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (2022) إلى أن أكثر من 55 %  من قوة العمل في مصر تعمل في وظائف غير مؤمنة، معظمها دون عقود رسمية.

ويرى الباحث زياد بهاء الدين أن "سياسات التشغيل خلال العقد الأخير لم ترتكز على خلق وظائف إنتاجية مستدامة، بل على تحفيز قطاعات ريعية كالعقار والإنشاءات".
 

الهجرة.. الحل الفردي
   في حين واجه عهد مرسي أزمة بطالة تصاعدية لكنها محصورة نسبيًا في الداخل، شهد عهد السيسي ارتفاعًا كبيرًا في معدلات الهجرة غير النظامية.

فبحسب تقرير المركز الأوروبي للهجرة، فإن عدد المهاجرين غير النظاميين المصريين إلى أوروبا قفز بنسبة 70% بين عامي 2015 و2022، ما يعكس حجم انسداد فرص العمل داخليًا.

وصرّح الخبير الاقتصادي د. هشام البسطويسي أن "غياب استراتيجية وطنية لتشغيل الشباب يدفع مئات الآلاف للهرب من اليأس بأي وسيلة".
 

الأمن الوظيفي في ظل القمع السياسي
   منذ 2014، ارتبط ملف البطالة في مصر أيضًا بالقمع السياسي الذي طال آلاف الموظفين والعاملين في القطاع الحكومي، إذ تم فصل المئات بدعوى "الانتماء إلى جماعة الإخوان"، وهو ما ساهم في إضعاف الثقة في بيئة العمل العامة، ورفع معدلات البطالة المقنّعة.
 

الفجوة بين الواقع والإحصاءات
   
رغم الترويج الرسمي لتحسن مؤشرات البطالة في عهد السيسي، تشير الوقائع إلى أن هذا التحسن ظاهري، ولا يعكس جودة الوظائف أو استدامتها.

في المقابل، ورغم أن عهد مرسي لم يمتد بما يكفي للحكم على سياساته بالكامل، فإنه تميز بمحاولات أولية لإصلاح البنية الاقتصادية بشكل أكثر عدالة اجتماعية.

في مقابلة عام 2014، اقترح الانقلابي السيسي حلولاً بسيطة لمواجهة البطالة مثل شراء 1000 سيارة للشباب لبيع الخضراوات عليها.

في حين كان مرسي يركز على إنشاء مشروعات كثيفة العمالة.

كما وجه الانقلابي السيسي بزيادة الحد الأدنى للأجور إلى 2400 جنيه في 2021، لكن هذه الزيادة قوبلت بانتقادات من المواطنين لكونها أقل من معدلات التضخم الحقيقية.
 

الأسباب والتداعيات
يرجع تدهور ملف البطالة والفقر في عهد السيسي إلى عدة أسباب منها:

  • استمرار أزمات الطاقة والكهرباء وارتفاع أسعار السلع الأساسية رغم المساعدات الخارجية.
  • زيادة الدين العام بشكل غير مسبوق وارتفاع تكلفة خدمة الديون.
  • سياسات اقتصادية تعتمد على الاقتراض بدلاً من تنمية القطاعات الإنتاجية.
  • ضعف الحياة السياسية وتراجع دور الأحزاب المعارضة مما أثر على صنع السياسات الاقتصادية والاجتماعية.

تسببت هذه العوامل في زيادة معدلات البطالة والفقر وتراجع القدرة الشرائية، مما أدى إلى حالة إحباط وتذمر شعبي واسعة، كما وثقت تقارير دولية عدة.

رغم بعض الإنجازات التسويقية المحدودة في عهد الانقلابي السيسي، فإن ملف البطالة لم يشهد تحسناً حقيقياً مقارنة بعهد الرئيس مرسي، بل إن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية زاد من معاناة المصريين، فالسياسات الاقتصادية التي اتبعها السيسي، والتي تعتمد على الاقتراض والتوسع في الدين العام، لم تحقق الاستقرار المنشود، بل عمقت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، مع غياب المحاسبة السياسية والشفافية.