تشهد مصر هذه الأيام ارتفاعًا ملحوظًا في درجات الحرارة، مما دفع كثيرين إلى التساؤل: هل هذا مؤشر على صيف أكثر قسوة؟ وما إذا كانت البلاد ستدخل في موجات حرارية أكثر شدة مع بداية الصيف رسميًا أو ما يعرف بالحزام الناري.
وحققت درجات الحرارة ارتفاعات قياسية منتصف الشهر الماضي وتجاوزت بالقاهرة 42 درجة.
الفصول الأربعة في يوم واحد
في ميدان الإسعاف بوسط القاهرة وفي درجة حرارة تقارب 40 درجة مئوية يترقب عادل عباس، وهو مراجع حسابات بوزارة الصحة، مع أسرته سحابة عابرة تلطف قليلا من حر غير مسبوق قبل الوصول إلى متجر قريب لشراء ملابس الصيف.
ويطول النقاش الأسري حول اختيار نوعية الملابس كما يؤكد رب الأسرة للجزيرة مباشر بسبب الطقس المتقلب قائلا إنه لم يعد يعرف الصيف من الشتاء ولا الربيع من الخريف “فيمكن أن نشهد الفصول الأربعة في اليوم الواحد” بسبب تباين درجات الحرارة.
أما البائع هاني محروس فيقول إن المحالّ التجارية تعرض الملابس الشتوية والصيفية على مدار العام موضحا أن عادات الشراء تغيرت بسبب موجات الحر المتتابعة “التي فرضت كلمتها على السوق”.
“انقلاب المناخ غيّر كل شيء في مصر”
ولا تصدق سهير جاد -وهي أخصائية تمريض بمستشفى الجلاء القريب من سوق الملابس بمنطقة وكالة البلح بوسط القاهرة أن فصل الصيف -الذي يحدد بيوم 21 يونيو - لم يبدأ رسميا بعد، قائلة “انقلاب المناخ غيّر كل شيء في مصر"، وفقًا لـ"الجزيرة مباشر".
تغيّر مناخي متصاعد
وبموازاة الشعور بالاحترار الشديد تحدّث عالم الفضاء بوكالة ناسا الأمريكية عصام حجي، عن تغير مناخي متصاعد بارتفاع متوسط حرارة الأرض مع ارتفاع حرارة البحار والمحيطات. وأوضح أن حرارة المياه بشرق المتوسط زادت درجتين تقريبا منذ عام 1983 وحتى الآن.
وأضاف قائلا “لو درجة حرارة الإنسان العادي هي 37.5 ولو زادت درجتين يحدث الاضطراب، وهذا هو ما حدث مع الأرض والمحيطات”.
وحذر حجي من خطورة عدم الوعي بالتغيرات المناخية قائلا إن “تحليل مباريات كرة القدم يسبق الاهتمام بالتفكير العلمي فيما تعرضت له مدينة الإسكندرية مؤخرا على سبيل المثال”.
وبينما تحاط العاصمة بأنشطة بشرية كثيفة ومخلفات صناعية تساهم في احتباس الحرارة يتحدث الرئيس السابق لمركز بحوث الصحراء إسماعيل عبد الجليل عبر فيسبوك عن “غياب المحاسبة والمسؤولية” في إشارة إلى القطع الجائر للأشجار.
ويعيد عبد الجليل التذكير بأن محافظة القاهرة فقدت وحدها أكثر من 900 ألف متر مربع من مساحاتها الخضراء.
“دائرة النار”
ويرى الباحث بعلوم البيئة بمركز الأهرام صلاح إبراهيم، أن الارتفاع الملحوظ بدرجات الحرارة يرجع بالأساس إلى النشاط البشري والتلوث وتراجع المساحات الخضراء، مشيرا إلى استمرار ما سماه القطع الجائر للأشجار وغياب التمويل الكافي لمواجهة أزمة التغير المناخي.
كما أشار إلى أن الوعي بخطورة الارتفاع بدرجات الحرارة ما زال ضعيفا مشيرا إلى أخطار تهدد الأمن الغذائي.
وأوضح إبراهيم أن التغير في درجات حرارة الأرض يتسارع بشكل أكبر بسبب تضاعف الاحتباس الحراري بالجو بسبب الحرق غير المسبوق للوقود الأحفوري وإزالة المساحات الخضراء.
ولفت الباحث إلى دراسات تتحدث عن أن الزيادة في درجات الحرارة بمصر كانت في حدود 1.30 درجة مئوية كل 30 سنة، لكنها اقتربت حاليا من 3 درجات.
وأضاف “هذا ناقوس خطر يدق منذ فترة”، موضحا أن تجاوز درجات الحرارة بالقاهرة الأيام الماضية 42 درجة كان لافتا وينذر بالاقتراب من الخمسين أو ما يسميها “دائرة النار”.
كما يواصل الناشط البيئي والكاتب ميشيل حنا عبر فيسبوك التحذير من استئصال المساحات الخضراء ويشير إلى قطع الأشجار بشركة البلاستيك بمنطقة “دربالة” بالإسكندرية.
أخطار أساسية للتغيرات المناخية
وطبقا لجهاز شؤون البيئة بمجلس الوزراء فإن مصر معرضة لتسعة أخطار أساسية للتغيرات المناخية هي:
- زيادة أو انخفاض درجة الحرارة عن معدلاتها الطبيعية، نتيجة ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
- ارتفاع منسوب مستوى البحر وتأثيراته في المناطق الساحلية، حيث إنه من المتوقع زيادة مستوى سطح البحر 100 سنتيمتر حتى عام 2100، وهو ما سيؤدى إلى دخول المياه المالحة على الجوفية وتلوثها، وتملح التربة وتدهور جودة المحاصيل وفقدان الإنتاجية.
- زيادة معدلات الأحداث المناخية المتطرفة، مثل العواصف الترابية، موجات الحرارة والسيول، وتناقص هطل الأمطار.
- زيادة معدلات التصحر.
- تدهور الإنتاج الزراعي وتأثر الأمن الغذائي.
- زيادة معدلات شح المياه.
- تأثيرات سلبية في نمط الأمطار في حوض النيل.
- تدهور الصحة العامة وانتشار الأمراض المنقولة بواسطة الحشرات مثل: الملاريا، والغدد الليمفاوية، وحمى الضنك، وحمى الوادي المتصدع.
- تآكل السواحل المصرية.
الإجهاد الحراري
وينصح استشاري الأمراض الصدرية والحساسية سيد بركات بتوخي الحذر من موجات الحر المتتابعة، ويقول "إن الحر الشديد يفتح الباب للعديد من الأمراض ويسبب ضيقا في التنفس بسبب ما يعرف بـ”الإجهاد الحراري” نتيجة فقدان الجسم للسوائل جراء زيادة التعرّق".
ولفت إلى ضرورة الانتباه والتعامل السريع مع الشعور بالإرهاق العام والدوخة، محذرا من احتمال تطور الأمر إلى تشنجات عضلية أو إغماء في بعض الحالات، وفقًا لـ"الجزيرة مباشر".
أما ضربات الشمس فهي الأكثر خطورة كما يقول، مشيرا إلى أن الارتفاع المفاجئ والخطير لدرجة حرارة الجسم يؤثر سلبا في وظائف الدماغ والجهاز العصبي، ويستلزم تدخلا طبيا فوريا.
كما نصح بمراقبة دقيقة للأطفال والمسنّين خاصة أصحاب الأمراض المزمنة.