في الوقت الذي تستمر فيه سلطات عبدالفتاح السيسي في ترويج صورة عن "تحسين أوضاع السجون" أمام المجتمع الدولي، كشف تقرير حديث لمركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، عن صورة مغايرة كلياً لما يجري خلف القضبان. التقرير الشهري الصادر عن المركز تحت عنوان "حصاد القهر" وثّق 426 انتهاكاً متنوعاً في سجون السيسي ومقار الاحتجاز خلال شهر مايو 2025، مشيراً إلى أن القمع والتعذيب والإهمال باتت سمات يومية للحياة داخل هذه المؤسسات.
انتهاكات مروّعة.. من القتل إلى التدوير
جاءت قائمة الانتهاكات حافلة بأنماط متعددة من العنف المؤسسي. سجل التقرير ثلاث حالات قتل داخل أو على هامش الاحتجاز الأمني، وأربع وفيات أخرى وقعت داخل أماكن الاحتجاز بسبب ما يُشتبه في أنه إهمال طبي أو ظروف احتجاز قاسية.
ومن بين الضحايا: يوسف محمود عبد الرحمن، ومحمد أبو الوفا محمد، وإبراهيم محمد، الذين توفوا في ظروف غامضة، أحدهم خلال حملة أمنية، فيما لم تُكشف بعد ملابسات مقتل الآخرين.
كما رصد التقرير سبع حالات إهمال طبي أفضت إلى تدهور صحي حاد بين السجناء، إلى جانب 20 حالة تعذيب، منها 2 فردية و18 جماعية، جرت في سجون معروفة بانتهاكاتها مثل "بدر 3"، "برج العرب"، "المنيا شديد الحراسة"، و"طرة".
التعذيب والتكدير.. سياسة ممنهجة
وسلّط التقرير الضوء على نمط واضح من "التعذيب الجماعي" والانتهاكات الممنهجة في السجون، حيث تعرّض المعتقلون للضرب، الصدمات الكهربائية، الحبس الانفرادي لفترات مطوّلة، والتحرش الجنسي، إضافة إلى الحرمان من الطعام والمياه والرعاية الصحية.
كما جرى توثيق 62 حالة تكدير وتدوير، وهي ممارسات تعني بشكل مباشر إعادة احتجاز المعتقلين في قضايا جديدة فور انتهاء فترة حبسهم الاحتياطي، بالإضافة إلى حرمانهم من الزيارات والحقوق القانونية، في محاولات لتكسير الإرادة والمعنويات.
عنف الدولة والإخفاء القسري
التقرير سجّل أيضاً 278 حالة عنف من قبل أجهزة الدولة، منها 208 وقعت بعد تفجيرات أو حملات أمنية، و70 أخرى في سياقات مختلفة.
فيما تم رصد 52 حالة ظهور بعد إخفاء قسري، وهو ما يشير إلى استمرار هذه الممارسة على نطاق واسع، رغم الإدانات الدولية المتكرّرة.
ويقول التقرير إن أغلب هؤلاء تعرضوا للتعذيب البدني والنفسي خلال فترات الإخفاء، قبل أن يُعاد تقديمهم أمام جهات التحقيق، في مشهد يعكس غياب الحد الأدنى من احترام القانون والحقوق الأساسية.
انعكاس لأزمة أعمق
تأتي هذه الأرقام لتؤكد ما دأبت على التحذير منه منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، مثل "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية"، بشأن استمرار الحملة الأمنية الواسعة ضد المعارضين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان في مصر.
فالاعتقالات التعسفية، الاحتجاز غير القانوني، سوء أوضاع السجون، والإفلات من العقاب، كلها تحوّلت إلى ملامح دائمة للمشهد الحقوقي في البلاد.
إفلات من العقاب ومناشدات لا تُسمع
رغم تعدد التقارير الحقوقية والدعوات الصريحة من الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي والعديد من العواصم الغربية، لم يُحرز أي تقدم يُذكر في محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، أو تحسين أوضاع الاحتجاز.
بل إن السلطات تتجه إلى التعتيم الإعلامي وتشديد الرقابة على المنظمات المستقلة، في إطار سياسة شاملة لخنق أي صوت ناقد.