د. عصام تليمة
من علماء الأزهر، حاصل على الدكتوراه في الفقه المقارن
كثيرا ما يأتي العيد في يوم الجمعة، سواء كان عيد الفطر، أم الأضحى، وهنا يثار التساؤل المتكرر في مثل هذه المناسبة: ماذا نفعل، هل لا بد من أداء صلاتَي العيد والجمعة، أم يجوز للمسلم التخلف عن إحداهما إذا أدى الأخرى؟ وكيف يفعل المقيمون في بلاد غربية يتعذر فيها الذهاب إلى المناسبتين؟
ما ورد من نصوص في الموضوع
لم يرد نص قرآني في حكم اجتماع العيد والجمعة، وورد نص قرآني متعلق بصلاة الجمعة، وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (الجمعة: 9)، وكذلك أخذ من دلالات نص قرآني بالأضحية بعد الصلاة، وهي إشارة إلى صلاة العيد، كما في قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (الكوثر: 2).
لكنه لم يرد نص فيما إذا اجتمعا، وإنما ورد في السنة النبوية، وفي هدي الصحابة الكرام. وهو ما نراه في بعض دواوين السنة، معنونا بـ”اجتماع العيد والجمعة”، وفي كتب الفقه كذلك بنفس العنوان، وتُناقَش هذه المسألة عند نقاش الفقيه لصلاة الجمعة، فيتعرض لحالة اجتماع العيد معها، أو عند أحكام صلاة العيدين، فيتعرض لورود العيد في يوم جمعة، وهو ما نراه عند المذاهب الأربعة وغيرها، وهذه النصوص الواردة:
عن إِياس بن أبي رملة الشامي: قال: “شهدتُ معاويةَ بنَ أبي سفيان وهو يسأل زيدَ بنَ أرقم قال: شهدتَ مع رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد، ثم رخَّص في الجمعة، ثم قال: من شاء أن يُصلِّيَ فليُصلِّ”. وفي رواية النسائي: “قال: نعم، صلَّى العيد من أول النهار ورخَّص في الجمعة”.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أَنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: “قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإِنَّا مُجَمِّعون”، ومجمعون أي: التجميع لإقامة الجمعة.
وعن عطاء بن أبي رباح: قال: “صلى بنا ابنُ الزبير يوم عيد في يوم جمعة أولَ النهار، ثم رُحْنا إِلى الجمعة، فلم يخرج إِلينا، فصلَّينا وُحْدانًا، وكان ابن عباس بالطائف، فلما قَدِمَ ذكرنا ذلك له، فقال: أصابَ السُّنَّة”. وفي رواية قال: “اجتمع يومُ جمعة ويومُ فطر على عهد ابن الزبير، فقال: عيدانِ اجتمعا في يوم واحد، فجمعهما جميعًا، فصلاهما ركعتين بُكْرة، لم يزد عليهما حتى صلى العصر”.
وفي رواية النسائي قال: “اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير، فأخَّر الخروجَ حتى تعالى النهارُ، ثم خرج فخطب، فأَطال الخطبة، ثم نزل فصلى، ولم يصلِّ الناسُ يومئذ الجمعةَ، فذُكِر ذلك لابن عباس، فقال: أصابَ السُّنَّةَ”.
أقوال الفقهاء في المسألة
وبناء على صحة أو ضعف هذه الآثار الواردة أو بعضها، والنظر في دلالاتها؛ كان موقف الفقهاء، وقد نتج عن ذلك أقوال مختلفة في المسألة، فالقول الأول: أنه لا تسقط الجمعة بأداء العيد، والثاني: أنها تسقط عن أهل القرى ممن ليسوا في بلد تقام فيه الجمعة، والثالث: أن من صلى العيد تسقط عنه الجمعة ويخير بين صلاة الجمعة أو الظهر. والرابع: تسقط الجمعة والظهر معا بصلاة العيد. والخامس: الجمع بين صلاة العيد والجمعة معا في وقت واحد.
فالرأي الذي يأخذ بالتخيير بين إحدى الصلاتين، وأن إحداهما تجزئ عن الأخرى، أخذ من مجمل النصوص التي ذكرناها والتي فيها عدم الجمع بين الصلاتين، والاكتفاء بصلاة العيد عن الجمعة. والذي جعلها خاصة بأهل القرى، نظر إلى عدم وجوب الجمعة عليهم، لأن الجمعة عنده يشترط فيها المصر، وهو أمر لم يعد موجودا بنسبة كبيرة في كثير من بلدان المسلمين، لكنه يظل عذرا مرهون بحالته.
والرأي الذي رأى عدم إسقاط صلاة الجمعة بالعيد، يرى التعارض هنا بين سنة وفرض، فصلاة العيد سنة، وصلاة الجمعة فرض على من تحققت شروطها فيه، فليس له تركها، ويرى أنها رخصة خاصة بالإمام الذي يفعل ذلك، ومن نقل عنهم من الصحابة أنهم فعلوه، كانوا أئمة، أي: حكاما. أما الرأي الذي أسقط الجمعة والظهر معا لمن صلى العيد، فلا نجد له دليلا قويا، ولم يتم العمل به.
حجة من رأى الاكتفاء بإحداهما
ومع ما ساقه أصحاب القول بالاكتفاء بإحدى الصلاتين من أدلة، فإنهم عللوا تعليلا آخر يتفق مع قواعد الإسلام، وهو رفع المشقة، فقالوا: “لأنهم إذا قعدوا في البلد بعد صلاة العيد إلى صلاة الجمعة… فاتتهم لذة العيد، وإن راحوا بعد صلاة العيد إلى منازلهم، ثم رجعوا لصلاة الجمعة كان عليهم مشقة، والجمعة تسقط بالمشقة، بخلاف أهل المصر، فإن ذلك لا يوجد في حقهم”.
وهذا الرأي يتسق مع الذين يقيمون في مناطق نائية، وليس فيها مصلى عيد يجمع الناس، أو صلاة جمعة جامعة، أو المسلم المقيم في بلدان غربية، ويسكن بعيدا عن المركز الإسلامي الذي تقام فيه صلاة الجمعة، ولديه عمل يصعب عليه معه الذهاب مرتين، فيمكنه الاكتفاء بحضور إحداهما، كأن يصلي العيد، ويصلي الجمعة ظهرا.
ويمكن لمثل هذه الحالات، أن تأخذ بالقول الذي يجعل وقت صلاة العيد من الصباح حتى ما بعد الظهيرة، فهنا يمكن أن يتم الاتفاق مع المسلمين المقيمين في هذه المناطق على جمع صلاة العيد مع الجمعة بخطبة واحدة، وصلاة واحدة، وهذا رأي فقهي معتبر، وهو يجمع بين المناسبتين.