في ظل أزمة اقتصادية خانقة، تتزايد الشكاوى من ارتفاع تكاليف التقاضي بعد فرض ما يُعرف بـ"رسوم الميكنة القضائية"، وهي رسوم جديدة فرضتها بعض محاكم الاستئناف دون سند قانوني، وأثارت حالة من الغضب داخل الأوساط الحقوقية والمحاماة، لا سيما لما تمثله من تهديد مباشر لحق الفئات المهمشة – وعلى رأسها النساء – في الوصول إلى العدالة.
خلال مائدة حوار نظمتها مؤسسة قضايا المرأة المصرية تحت عنوان "العدالة والنساء في ظل التحديات الاقتصادية والقانونية"، أجمعت ناشطات حقوقيات على أن الرسوم الجديدة تُمثل خرقًا للدستور وتُكرّس لمبدأ "العدالة لمن يدفع"، وهو ما يتعارض مع جوهر القانون وروح الاتفاقيات الدولية.
قرار إداري مثير للجدل
بدأت الأزمة في مارس الماضي بقرار من رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار محمد نصر سيد، يقضي باستحداث رسم جديد تحت مسمى "مراجعة الحوافظ"، ضمن ما أُطلق عليه "رسوم الميكنة"، بحجة تطوير الخدمات الإلكترونية بالمحاكم.
لكن القرار قوبل برفض واسع من المحامين والحقوقيين، لما يشكّله من أعباء إضافية على المواطنين، دون سند تشريعي واضح أو مناقشة مجتمعية مسبقة، في مخالفة صارخة للمادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أن "الناس جميعًا سواء أمام القضاء".
النساء.. الفئة الأكثر تضررًا
أشارت عزة سليمان، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية، إلى أن الزيادات القضائية تأتي في وقت تطلق فيه الدولة عشرات الاستراتيجيات الوطنية لـ"تمكين المرأة"، لكنها على أرض الواقع تعرقل حق النساء في التقاضي، قائلة: "تخيلي أكون صاحبة حق، لكن لا أملك المال للذهاب إلى المحكمة لاسترداد حقوقي.. هذا قهر حقيقي".
وأوضحت أن النساء الأكثر فقرًا، مثل الأرامل والمطلقات، هن الأكثر تضررًا من هذا القرار، رغم أن استراتيجية تمكين المرأة 2030 تنص بوضوح على ضرورة تسهيل حصولهن على الخدمات القانونية والعدالة.
بدورها، رفضت المحامية بالنقض انتصار السعيد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، ما وصفته بـ"تسليع العدالة"، قائلة: "العدالة ليست سلعة تُشترى، الوصول إليها حق دستوري لكل إنسان، خصوصًا المهمشين".
السعيد حذرت من أن هذه القرارات تقفز على قانون الأحوال الشخصية نفسه، الذي يعفي دعاوى النفقات والأجور من الرسوم القضائية، وهو ما يُمثل تناقضًا قانونيًا صريحًا مع قرارات الميكنة الجديدة.
الرسوم تخرق الدستور وتهدد التماسك الاجتماعي
بحسب إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام 2023، تعول النساء نحو 4.4 مليون أسرة، بنسبة 17% من إجمالي الأسر، ما يجعل أي عراقيل أمام التقاضي تهدد شريحة ضخمة من المواطنين.
وأكدت السعيد أن رفع الرسوم يُرسخ لمبدأ التمييز وعدم المساواة، ويُخالف الاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها مصر، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).
نقابة المحامين على خط المواجهة
تفاعلت نقابة المحامين سريعًا مع الأزمة، بإعلان الإضراب الجزئي ومقاطعة محاكم الجنايات في عدة محافظات، مطالبةً بإلغاء القرار، ومؤكدةً أن فرض رسوم دون إشراك النقابة يُعد تجاوزًا لمبدأ الشراكة المنصوص عليه في القانون.
وقالت النقابة في بيان سابق إن "رسوم الميكنة خلقت مشكلات عديدة تمس حق التقاضي المكفول دستوريًا"، مضيفةً أنها لم تُدعَ لحوار مجتمعي حول القرار رغم أنها شريك أساسي في المنظومة القضائية.
تصعيد مرتقب ودعوات للمجتمع المدني
شهدت مائدة الحوار حالة من الجدال والحماسة بشأن الخطوات التصعيدية التي يجب أن تتخذها نقابة المحامين، من بينها التوجه بوفد إلى وزير العدل، ورئيس الوزراء، وحتى عبدالفتاح السيسي، إضافةً إلى دعوة الجمعية العمومية للنقابة في 21 يونيو المقبل.
وطالبت الحاضرات المجتمع المدني والأحزاب السياسية بالانضمام إلى هذه المعركة، مؤكدين أن إلغاء رسوم الميكنة القضائية ليس قضية فئوية، بل معركة مجتمعية تخص كل مواطن يبحث عن العدالة.