ميدل إيست مونيتور: عطش غزة تحت سمع وبصر عالم بلا قلب
الأربعاء 23 أبريل 2025 09:20 م
تحت وطأة الحرب والحصار الخانق، يكافح أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة للبقاء على قيد الحياة وسط أزمة مياه غير مسبوقة. هذا ما وثّقه موقع ميدل إيست مونيتور في تقريره حول الانهيار الكامل للبنية التحتية المائية في غزة نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل.
أظهر تقرير أممي في 2022 أن أكثر من 97% من مياه الشرب في غزة غير صالحة للاستهلاك البشري بسبب تلوث الخزان الجوفي. تسببت عمليات ضخ المياه الملوثة في وادي غزة، وتسرب مياه الصرف الصحي، وتسلل مياه البحر المالحة في تلويث مصادر المياه بنسبة تجاوزت 75%، بينما لا تتجاوز نسبة تجدد المياه عبر الأمطار 30%. وتفاقم الوضع بتسرب مخلفات الذخائر الإسرائيلية إلى المياه الجوفية.
أرقام مؤلمة من قلب الأزمة
بلغت نسبة تغطية المياه النظيفة في الأراضي الفلسطينية أقل من 10%، في حين تصل في الأراضي المحتلة إلى أكثر من 99%. وعلى الرغم من أن شركة "ميكوروت" الإسرائيلية زوّدت غزة سابقًا بـ18 مليون متر مكعب سنويًا، إلا أن هذه الكمية لم تمثل سوى 9% من الاحتياج الفعلي، الذي يتجاوز 120 مليون متر مكعب سنويًا. أما اليوم، فانقطعت هذه الإمدادات تمامًا بعد استهداف شبكات النقل. دمّرت الغارات أكثر من 85% من شبكة المياه والصرف الصحي، وتوقفت محطات معالجة مياه الصرف، ولم يبقَ سوى 30% من الآبار في الخدمة. انخفض إنتاج محطات التحلية إلى أدنى مستوى بسبب نقص الوقود والكهرباء، فانخفض استهلاك الفرد اليومي من المياه إلى 3–5 لترات فقط، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى الإنساني المحدد بـ15 لترًا.
رحلة يومية شاقة للنازحين من أجل الماء
منذ بداية التصعيد، نزح آلاف الفلسطينيين من منازلهم، واضطروا إلى خوض رحلات طويلة ومؤلمة بحثًا عن الماء. في الملاجئ المزدحمة أو المناطق البعيدة، أصبحت الطوابير الطويلة مشهدًا يوميًا محفوفًا بالخطر. تقول فاطمة، أم لأربعة أطفال نزحت إلى ملجأ غرب غزة: "ننتظر لساعات من أجل ماء ملوث، ونمشي يوميًا عدة كيلومترات، والرحلة تزداد صعوبة يومًا بعد يوم".
خطر صحي فوري وطويل الأمد
أجبرت الأزمة السكان على استخدام مياه ملوثة في الشرب والنظافة، مما تسبب في انتشار أمراض مثل الإسهال، والتهابات الكلى والمسالك البولية، وأمراض جلدية. الأطفال دون سن الخامسة هم الأكثر عرضة للجفاف والمضاعفات القاتلة، وكذلك الحوامل، اللواتي يواجهن خطر الإجهاض والولادة المبكرة ونقص الحليب. كما يتعرض كبار السن لخطر الفشل الكلوي وتفاقم الأمراض المزمنة.
تأثير كارثي على الأمن الغذائي والنزوح القسري
أدّى تدمير شبكات الري الزراعية إلى تراجع الإنتاج بنسبة 60%، وزادت معدلات الفقر والجوع بسبب نقص المياه وتلوثها. لم تعد الأراضي الزراعية صالحة للزراعة أو آمنة بسبب استمرار القصف، مما دفع العديد من العائلات للنزوح بحثًا عن مياه الشرب.
جريمة حرب وانتهاك صارخ للقانون الدولي
يُعد استهداف مصادر المياه خرقًا فادحًا للقانون الدولي الإنساني. نصّ البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف لعام 1977 على حماية الموارد الضرورية لبقاء المدنيين. حرمان السكان من المياه يُصنّف كجريمة حرب، وانتهاكًا للمادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وربما يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية وفقًا لنظام روما الأساسي.
دعوة عاجلة للتحرك
تفرض الكارثة ضرورة تحرك عاجل. يجب على الأمم المتحدة تفعيل آليات الحماية، وعلى منظمات كمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية ممارسة الضغط على الولايات المتحدة لوقف الحرب وضمان إدخال المساعدات. كما يجب على مجلس حقوق الإنسان التحقيق في الانتهاكات، والمحكمة الجنائية الدولية فتح ملفات الجرائم المرتكبة.
إنسانيًا، يجب إصلاح الشبكات المتضررة، وتوفير محطات تحلية متنقلة تعمل بالطاقة الشمسية، وتوزيع المياه عبر صهاريج للملاجئ والمخيمات. أما على صعيد الإغاثة، فلا بد من تجهيز معدات المياه وتخزينها مسبقًا في مصر والأردن، استعدادًا لأي فرصة لتوصيلها فور فتح المعابر.
رغم الحصار والقصف، لا يزال سكان غزة يكافحون من أجل كل قطرة ماء، كأنهم يلهثون لآخر نفس. يصرخون طلبًا للماء ولا مجيب. فهل جفّ ضمير الإنسانية؟ أليس الماء حقًا لكل إنسان، حتى لو كان محاصرًا تحت النار؟
https://www.middleeastmonitor.com/20250422-gazas-unquenchable-thirst-the-water-tragedy-amid-relentless-bombardment-and-total-blockade/