لا تزال السلطات التونسية تمارس قمعها ضد معتقلي "ملف التآمر"، فبعد النتهاكات التي يتعرضون لها ودخولهم في إضراب مفتوح عن الطعام، منعت قوات الأمن التونسية مجموعة من المنظمات الحقوقية في تونس، من عقد تظاهرة بقاعة سينما خاصة، من تنظيم محاكمة شكلية صورية تحاكي قضية ما يعرف بملف"التآمر"، قبل ساعات من انعقاد الجلسة بمحكمة تونسية في العاصمة، وعن بعد ودون حضور المتهمين وسط إدانات من منظمة العفو الدولية بما يتعرضون له.
وأثار قرار المنع تنديدا واسعا، واعتبر فصلا جديدا من التضييق وخنق الحقيقة، ومواصلة في قمع كل صوت مخالف للسلطة، واعتداء على العمل الجمعياتي.
انتقادات العفو الدولية
عبّرت منظمة العفو الدولية عن قلقها الشديد من طريقة تعامل السلطات التونسية مع الموقوفين في قضية "التآمر على أمن الدولة"، معتبرة أن "استمرار تجاهل حياة وصحة المضربين عن الطعام يُجسّد غيابًا تامًا للمسؤولية السياسية والأخلاقية".
وتساءلت المنظمة، في بيان عن مدى استعداد السلطات "لاحترام حياة المعتقلين"، في ظل ما وصفته بـ"الانتهاك المتواصل لحقوقهم"، على خلفية قرار محاكمتهم عن بعد يوم الجمعة.
وأكدت العفو الدولية أن غياب ضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع في هذه القضية يثير مخاوف كبيرة، مطالبة بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المتهمين، وإسقاط التهم الموجهة إليهم.
كما حمّلت السلطات التونسية المسؤولية الكاملة عن سلامة المعتقلين النفسية والجسدية، داعية إلى احترام حقوقهم الإنسانية طيلة فترة احتجازهم.
وتعقد الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في القضايا الإرهابية بالمحكمة الابتدائية بتونس، الجمعة 11 أفريل 2025، جلسة المحاكمة فيما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة" التي تشمل الأبحاث فيها 40 متهما من بينهم سياسيون ومحامون ورجال أعمال، عن بعد.
وتزامنًا مع الجلسة تنظم مكونات سياسية وحقوقية في تونس تحركات تضامنية، أمام قصر العدالة بتونس، رفضًا لقرار عقد الجلسة عن بُعد و"منع" المتهمين من المثول أمام المحكمة.
النهضة التونسية
وقالت حركة النهضة إنها تدين "الانحراف الخطير وهذه الممارسات الخارجة عن القانون"، معتبرة أن "المحاكمة سياسية بحتة، الغاية منها الإقصاء الممنهج للأصوات المعارضة والتنكيل بهم عبر الضغط على القضاء قصد توظيفه في إقصاء رموز المعارضة".
ودعت الحركة السلطات إلى "الكف عن سياسة إلهاء الرأي العام بهذه المحاكمات السياسية للتعمية على فشلها في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين والتصدي للمخاطر الحقيقية التي تهدد الدولة والمجتمع التونسي بعد الانفراد التام بكل السلطات والصلاحيات".
وأكدت الحركة في بيان لها الخميس، "تضامنها المطلق مع المساجين المضربين عن الطعام ومع كل المعتقلين السياسيين، مطالبة بإطلاق سراحهم واحترام الحق الدستوري في المعارضة والنشاط السياسي المدني".
منع فعالية تحاكي محاكمة معتقلي "ملف التآمر"
منعت قوات الأمن التونسية مجموعة من المنظمات الحقوقية في تونس، من عقد تظاهرة بقاعة سينما خاصة، من تنظيم محاكمة شكلية صورية تحاكي قضية ما يعرف بملف"التآمر"، قبل ساعات من انعقاد الجلسة بمحكمة تونسية في العاصمة، وعن بعد ودون حضور المتهمين.
وكانت مجموعة من المنظمات بحضور عدد من المحامين عن هيئة الدفاع عن المعتقلين في ملف"التآمر"، ستعقد محاكمة شكلية تبين من خلالها شروط المحاكمة العادلة، وتسليط الضوء على المعاناة التي يتعرض لها سجناء الرأي وعائلاتهم، وتجريم المعارضة والفعل السياسي.
واعتبرت تنسيقية عائلات المعتقلين السياسيين، أن المنع يظهر"استمرار العبث ومحاولات النّظام الفاشيّ طمس الحقيقة وإخفاءها، وأنه ضرب لكل شروط المحاكمة العادلة".
ووصفت التنسقية المنع "بالسابقة الخطيرة وعودة إلى الوراء عبر ترسيخ سياسة الأمر الواقع وقبول الاستبداد وتكميم الأفواه"، مؤكدة في المقابل أن المنع يبرز "الخوف والهلع من كشف الحقيقة أمام الرأي العام، ويثبت في حد ذاته خواء هذا الملف الفضيحة، وأنه في الحقيقة جريمة دولة ضدّ مواطنين أبرياء"، وفق تقديرها.
بدورها أدانت جمعية "تقاطع من أجل الحقوق والحريات" إقدام قوات الشرطة على منع المحاكمة دون أدنى موجب قانوني، وفي استمرار من الدولة التونسية في انتهاك حقوق الإنسان وتقويض هامش الحريات في البلاد".
إضراب احتجاجي جماعي
وكان المعتقلون في ما يعرف بقضية "التآمر" بتونس، قد قرروا الدخول في إضراب جماعي؛ احتجاجا على قرار محاكمتهم عن بعد ودون حضورهم للمحكمة، في الجلسة المقررة في الحادي عشر من الشهر الحالي.
وفي بيان لهم، نشرته هيئة الدفاع، الثلاثاء، أكد جميع المتهمين، وهم عبد الحميد الجلاصي، ورضا بالحاج، وعصام الشابي، وغازي الشواشي، وخيام التركي، وجوهر بن مبارك، رفضهم القاطع المشاركة في "مسار قضائي يفتقد لأبسط قواعد وشروط المحاكمة العادلة، ورفض المشاركة عن بعد في جلسات هذه المحاكمة الصّوريّة".
ومنذ إيقافهم، نفذ المعتقلون العديد من الإضرابات الاحتجاجية امتدت لأسابيع، وتم فكها بعد دعوات واسعة من منظمات حقوقية ومناشدات من شخصيات وطنية وحقوقية؛ تجنبا لتدهور صحتهم.
يشار إلى أنّ السياسيين الموقوفون فيما يُعرف بـ"قضية التآمر على أمن الدولة" كانوا قد أعلنوا، ليل الثلاثاء 8 أفريل 2025، دخولهم جميعًا في إضراب جوع جماعي، احتجاجًا على قرار محاكمتهم عن بعد، وفق ما أكده محامون عن هيئة الدفاع، وما نشرته صفحة "تنسيقيّة عائلات المعتقلين السياسيين".
وكانت الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس، قد رفضت الإفراج عن الموقوفين بعد أولى جلسات المحاكمة التي انعقدت الثلاثاء 4 مارس 2025 عن بُعد أيضًا، والتي تقرر خلالها تأخير النظر في القضية إلى جلسة 11 أفريل 2025.
ويُحاكم في القضية 40 شخصًا، بينهم معارضون سياسيون، ونشطاء، ومحامون، وشخصيات عامة أخرى اتُّهموا "بالتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي" .