في أعقاب الحريق الضخم الذي اندلع في مبنى سنترال رمسيس وسط القاهرة يوم الإثنين الماضي، أصدر الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات قرارًا بإلزام شركات الاتصالات بتعويض المستخدمين المتضررين من انقطاع خدمات الإنترنت والهاتف المحمول، في خطوة اعتبرها كثيرون "غير كافية" وتغفل حجم الأضرار التي لحقت بملايين المستخدمين، والمخاوف الأوسع من هشاشة البنية التحتية للاتصالات في البلاد.
كارثة سنترال رمسيس.. حريق يكشف العجز
الحريق اندلع في الطابق السابع من المبنى المكون من 11 طابقًا، داخل إحدى غرف الأجهزة المركزية التي تحتوي على الكابلات الرئيسية والسيرفرات.
وعلى مدار ساعات، التهمت النيران مكونات حيوية أدت إلى انقطاع واسع في خدمات الاتصالات والإنترنت، وتأثرت حركة المرور بشكل بالغ نتيجة تصاعد أعمدة الدخان الكثيف التي غطت شوارع وسط البلد.
تعويضات "رمزية" تثير الغضب
في بيان رسمي، أعلن جهاز تنظيم الاتصالات تعويض مستخدمي الهاتف المحمول بـ1 جيجابايت مجانًا، ومستخدمي الإنترنت الأرضي بـ10 جيجابايت على خطوطهم الثابتة، أو 5 جيجابايت على الهاتف المحمول في حال تعذّر تشغيل الخدمة الأرضية.
غير أن هذه "التعويضات" أثارت موجة غضب واستياء واسعة بين المستخدمين، الذين رأوا أنها لا تعكس حجم الضرر الذي تعرضوا له، خاصة مع توقف الخدمات البنكية، الحكومية، التعليمية والمرتبطة بالإنترنت لفترة طويلة.
وقال أحد المستخدمين غاضبًا على وسائل التواصل الاجتماعي: "احنا مش بنشحت.. احنا عايزين حقنا! أقل حاجة شهر مجاني!".
وأضاف آخر: "هما مش عارفين يداروا على فشلهم! بيكرهونا وبيفكروا يبيعوا الشركة كأنها عزبة مش مرفق حيوي".
استدعاء وزاري وتحقيقات نيابية
الجدل لم يتوقف عند حد الغضب الشعبي، بل وصل إلى قبة البرلمان. حيث قرر مجلس النواب، الثلاثاء، استدعاء وزير الاتصالات في اجتماع عاجل للرد على البيانات العاجلة التي تقدم بها عدد من النواب بشأن الأثر الكارثي للحريق على "جميع المعاملات الرقمية"، بحسب وصفهم.
في ذات السياق، صرّح المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية، بأن قطع الخدمة "كان اختياريًا"، وهو ما زاد من حدة الانتقادات بعد اعتراف ضمني بإمكانية تفادي الانقطاع الشامل لو توفرت خطط بديلة واستعدادات مسبقة.
تقارير حقوقية: البنية الرقمية في مصر "هشة"
أصدر مركز "مسار" المتخصص في الحريات الرقمية، تقريرًا تقنيًا يوم الثلاثاء الماضي، أكد فيه ضرورة "إعادة هيكلة البنية التحتية الرقمية في مصر"، واصفًا الاعتماد على نقاط مركزية مفردة بأنه "خطر داهم".
وأوصى التقرير بتوزيع مراكز الخدمة وتفعيل المسارات البديلة لتعزيز مرونة الشبكة، مطالبًا بخطط طوارئ حقيقية تقلل من أثر الكوارث على المدى القريب والبعيد.
المليارات المهدرة.. وأين تذهب؟
الحادث أعاد للأذهان تساؤلات طالما طرحها المواطنون والخبراء حول مصير المليارات التي أنفقتها الدولة في مشروعات التحول الرقمي والمدن الذكية، دون أن ينعكس ذلك في بنية أساسية قادرة على الصمود أمام حريق أو خلل مفاجئ.
في ظل غياب الشفافية حول مدى جاهزية البنية الرقمية، يزداد القلق من أن ما حدث في رمسيس قد يتكرر في أماكن أخرى، خصوصًا مع اتجاه الدولة لتوسيع الاعتماد على الخدمات الرقمية في كل القطاعات الحيوية.