شهدت مصر في السنوات الأخيرة اتساعًا كبيرًا في قطاع الإنشاءات والمقاولات، حيث لعبت شركات الإنشاءات الكبرى، سواء الخاصة أو العامة، دورًا حيويًا في المشاريع العمرانية الضخمة التي شملت العديد من المشروعات السكنية والبنية التحتية.
لكن في خطوة غير مسبوقة، بدأت هذه الشركات في اتخاذ قرارات بتقليص أعمالها في السوق المصري، مما يثير العديد من التساؤلات حول أسباب هذا التوجه وآثاره على الاقتصاد المصري في المدى القصير والطويل.
التخارج والتوجه نحو الأسواق الخارجية
أحدث هذه القرارات جاء من شركة "أوراسكوم للإنشاءات"، التي أعلنت عن خططها لتقليص أعمالها في مصر لتصل إلى ثلث إجمالي حجم أعمالها بحلول عام 2026، مع تعزيز وجودها في الأسواق الخليجية تحديدًا في السعودية والإمارات.
هذه الخطوة تأتي في وقت يشهد فيه القطاع العديد من الأزمات الاقتصادية التي انعكست على أداء الشركات الكبرى.
أسامة بشاي، الرئيس التنفيذي لشركة "أوراسكوم كونستراكشون"، كشف عن عدة أسباب وراء هذه الخطوة، أبرزها تأخر تحصيل المستحقات من الجهات الحكومية، ضبابية تسعير العملة المحلية مقابل الدولار، ونقص مدخلات البناء، إضافة إلى مشاكل متعلقة بتأخر صرف متأخرات فروق العملة.
وتعتبر "أوراسكوم كونستراكشون" من أبرز اللاعبين في السوق المصري، حيث تمتلك عائلة ساويرس نسبة 54.86% من أسهمها، وقد قامت الشركة مؤخرًا بتنفيذ عدة مشروعات ضخمة مثل محطة إنتاج الطاقة من الرياح في رأس غارب، كما توسعت في السعودية والإمارات من خلال توقيع عقود ضخمة لتوسعة محطات إنتاج الكهرباء.
موجة التخارج.. شركات أخرى تتبع نفس الاتجاه
لم تكن "أوراسكوم كونستراكشون" هي الوحيدة في هذا الاتجاه، فقد شهد قطاع الإنشاءات موجة من قرارات التخارج التي شملت العديد من الشركات الكبرى مثل "حسن علام"، "المقاولون العرب"، "كونكريت بلس"، و"سامكريت مصر"، التي أكدت جميعها رغبتها في تقليص الأعمال المحلية والاتجاه نحو توسيع الأنشطة في أسواق دولية مثل السعودية والإمارات وليبيا والعراق.
أسباب التخارج.. الأزمة الاقتصادية في مصر
تعود الأسباب الرئيسية لهذا التخارج إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يواجهها السوق المصري. من أبرز هذه الأزمات:
- تشبع السوق العقاري: حيث أصبحت هناك وفرة كبيرة في المعروض من الوحدات السكنية والمشاريع التجارية، ما جعل الطلب على العقار يتراجع.
- عدم استقرار سعر الصرف: مع تذبذب الجنيه المصري أمام الدولار، ما أثر سلبًا على التكاليف التشغيلية لشركات المقاولات.
- التحديات السياسية والاقتصادية: منها تراجع السيولة الدولارية، والضعف في الإيرادات من قطاعات مثل السياحة، وقناة السويس، والصادرات.
- الأزمة في المواد الخام: مثل الحديد والإسمنت، التي شهدت أسعارها ارتفاعًا غير مسبوق، ما أدى إلى زيادة تكاليف البناء بشكل كبير.
تداعيات التخارج على الاقتصاد المصري
من أبرز تداعيات هذا التخارج هو التأثير الكبير على سوق العمل المصري، حيث يعتبر قطاع الإنشاءات من أكثر القطاعات التي تعتمد على العمالة اليومية والموسمية، والتي ستواجه تهديدًا حقيقيًا بفقدان وظائفها، كما أن هذا التراجع في الاستثمارات سيؤدي إلى انخفاض في العائدات الضريبية من هذه الشركات، ويزيد من تدهور معدلات التنمية الاقتصادية.
التحديات في السوق العقاري
وتأتي هذه القرارات في وقت حرج بالنسبة لسوق العقار المصري الذي يعاني من تقلبات حادة في الأسعار، حيث تراوحت أسعار المواد الخام مثل حديد التسليح والإسمنت في يناير 2024 بين 32.500 إلى 50.000 جنيه للطن، مما أدى إلى ارتفاع أسعار العقارات بشكل غير معقول بالنسبة للكثير من المصريين.
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي أحمد خزيم أن التقلبات في سعر الصرف وارتفاع التكاليف قد تؤدي إلى انهيار الشركات الصغيرة في القطاع، خاصة تلك التي تعمل في التطوير العقاري.