دخلت حرب السودان عامها الثالث، لتواصل معاناة المدنيين في ظل الخوف والفقدان والتشريد والمقاومة رغم كل الظروف.
منذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، واجه المدنيون انتهاكات حقوقية جسيمة وتجاوزت معاناتهم ساحة المعركة لتشمل التهميش والحرمان داخل البلاد وخارجها.

تجلّى تواطؤ المجتمع الدولي من خلال سياسات تحد من حركة اللاجئين وتحرمهم من الحماية والمساعدات الإنسانية، وكأنهم أصبحوا غير مرغوب فيهم.
معاناة المدنيين زادت بسبب انقطاع الكهرباء، ونقص الغذاء، وتعطيل الإنترنت، وانتشار الألغام، وتدهور النظام الصحي الذي يواجه تفشي الكوليرا والملاريا وحمى الضنك.

ورغم وصف السودان بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم، لم تلقَ دعوات المنظمات الإغاثية استجابة كافية.
استُبعد السودان من الاهتمام العالمي، ما عزز الشعور بازدواجية المعايير في التعاطي الإنساني.
وكان السودان يعاني من التهميش حتى قبل الحرب، مثل بقائه لسنوات على لائحة الدول الراعية للإرهاب، ما أعاق تعافيه الاقتصادي، كما أشار رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، واعتبره "قصة إهمال".

رفض المجتمع الدولي دعم المرحلة الانتقالية المدنية، وتأخر في تقديم الإعفاءات من الديون والدعم الاقتصادي، ما مهّد لعودة الفوضى.
بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023، أسرعت الدول في إجلاء رعاياها، في حين تُرك المدنيون السودانيون لمصيرهم. حتى حاملو الجنسيات المزدوجة، لم تقدم لهم بعض الحكومات مثل المملكة المتحدة أي مساعدة، وطلبت منهم الوصول بأنفسهم إلى قاعدة وادي سيدنا الجوية.

وأشار حمدوك إلى أن نفس السرعة في الإجلاء كان يمكن توجيهها لفرض وقف إطلاق نار دائم، لكن الإرادة غابت.
في الوقت نفسه، وثّقت وسائل الإعلام عملية إجلاء الدبلوماسيين الأمريكيين بدقة، فيما تراجعت التغطية لاحقًا، وعادت الكاميرات للوراء.

في حادثة مؤلمة، أتلفت السفارة الأمريكية جوازات سفر سودانية كانت تُعالج لطلبات التأشيرة، تاركة أصحابها عالقين في منطقة نزاع.
سفارات غربية أخرى غادرت البلاد وتركت جوازات طالبي التأشيرات في مكاتبها دون حلول، ما أدى إلى تشتت عائلات وفرار البعض دون أوراقهم.

كما أظهرت السياسات الدولية تجاه اللاجئين السودانيين تمييزًا واضحًا. في كندا، فُرضت شروط قاسية وتكاليف باهظة في برنامج لمّ الشمل، ما جعل الإنقاذ مستحيلًا لكثيرين.
أما في الولايات المتحدة، فقررت إدارة ترامب تعليق برنامج إعادة التوطين، ما ترك آلاف السودانيين في مأزق قانوني وإنساني، بالتزامن مع توسيع محتمل لحظر السفر ليشمل أكثر من 40 دولة بينها السودان.

في أوروبا، خُصصت الموارد والمساعدات للاجئين الأوكرانيين بينما واجه السودانيون سياسات تشديد هجرة، مثل ما حدث في إيطاليا التي عالجت المهاجرين خارج حدودها.
ولاقت الجاليات السودانية رفضًا من بعض المجتمعات المضيفة، فيما تأخرت المساعدات والإجراءات من مفوضيات الأمم المتحدة.

زاد الطين بلّة تعليق معظم المساعدات الأجنبية من واشنطن، ما أدى إلى إغلاق نحو 80% من مراكز توزيع الغذاء الطارئ في السودان.
غياب القيادة الدولية فسح المجال لتدخلات إقليمية متضاربة زادت الوضع سوءًا.

وبينما تخلّت قوى كبرى عن مسؤولياتها، صرّح المتحدث باسم الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي بأن السودان "ليس في جوارنا"، معترفًا بدور الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، في تبرير غير مباشر للانسحاب الأوروبي من المشهد.

أظهرت الحرب تناقضات أخلاقية صارخة في مواقف الدول الكبرى، حيث تلقت معاناة السودان لا مبالاة، ووُصفت بأنها مجرد "صراع أفريقي آخر".
لكن الحقيقة أن الأزمة هي انعكاس لتواطؤ عالمي. لا يمكن تصحيح هذا الخلل إلا عبر تدخل دبلوماسي وإنساني حقيقي وشامل، وإعادة النظر في السياسات القائمة على الانتقائية.

السودان لا يحتاج فقط إلى مساعدات، بل إلى تضامن حقيقي طويل الأمد يعترف بإنسانيته ويكسر الصور النمطية حول قضاياه.

https://www.middleeasteye.net/opinion/sudan-war-not-just-another-african-conflict-when-will-world-step