أعلنت إدارة الأمن العام في مدينة اللاذقية في سوريا، اليوم الأربعاء، القبض على العميد المتقاعد سالم داغستاني، أحد أبرز الضباط الأمنيين المتهمين بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خلال سنوات الصراع السوري، وذالك في تطور لافت ضمن حملة واسعة أطلقتها السلطات السورية الجديدة لملاحقة رموز نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد،
وأكدت وكالة الأنباء السورية "سانا" أن داغستاني كان يشغل مناصب حساسة، أبرزها رئاسة فرع التحقيق في إدارة المخابرات الجوية، ورئاسة قسم التحقيق في سجن صيدنايا سيئ السمعة، إلى جانب توليه رئاسة اللجنة الأمنية في الغوطة الشرقية، وهي مواقع ربطته مباشرة بممارسات قمعية طالت آلاف السوريين، وفق تقارير حقوقية.
وبحسب الوكالة، فإن السلطات أحالت داغستاني إلى النيابة العامة لاستكمال الإجراءات القانونية بحقه، في خطوة عدّها حقوقيون بداية محاسبة حقيقية لمرتكبي الانتهاكات الكبرى في عهد الأسد.
وجه أمني دموي
ويعد داغستاني من أبرز رموز القبضة الأمنية التي واجهت بها أجهزة المخابرات الاحتجاجات السلمية التي انطلقت في مارس 2011. ووفقاً لمنصة "مع العدالة" الحقوقية، فقد عمل إلى جانب ضباط آخرين -بينهم عبد السلام محمود ونزيه ملحم- في إدارة التحقيق بالمخابرات الجوية، وتورط في تصفية وتعذيب آلاف المعتقلين الذين جرى تحويلهم من مختلف المحافظات إلى الفرع الأمني بدمشق.
ويقول ناشطون حقوقيون إن داغستاني لم يكن مجرد منفذ أوامر، بل أحد العقول المدبرة للسياسات الأمنية القمعية، إذ لعب دوراً مباشراً في عمليات التعذيب، وكان اسمه يتردد كثيراً على لسان الناجين من معتقلات المخابرات الجوية، باعتباره أحد المحققين البارزين.
سجن صيدنايا.. مسرح الرعب
شغل داغستاني أيضاً منصب رئيس قسم التحقيق في سجن صيدنايا، أكثر السجون السورية شهرة في ممارسات التعذيب والانتهاكات. ويقع السجن شمال دمشق، وقد وُصف في تقرير شهير لمنظمة العفو الدولية عام 2017 بـ"المسلخ البشري"، بعد أن وثقت المنظمة عمليات إعدام جماعي وتعذيب ممنهج نفذها ضباط ومسؤولون أمنيون داخل السجن.
وبحسب التقرير، فقد قُتل آلاف المعتقلين بين عامي 2011 و2015 داخل صيدنايا، في ظروف وصفت بـ"الوحشية والمنهجية"، وكان داغستاني أحد المسؤولين المباشرين عن إدارة التحقيق فيه خلال تلك الفترة.
ملف المصالحات.. خدعة الموت البطيء
لم يقتصر دور داغستاني على العمل داخل الزنازين، بل كان من أبرز منفذي ما عُرف لاحقاً بـ"ملف المصالحات"، وهو مشروع أطلقه النظام السوري لتفكيك مناطق المعارضة بعد حصارها وتجويعها، مقابل وعود بعودة الخدمات والحماية، وهي وعود ثبت لاحقاً أنها كانت مجرد حيلة لتصفية معارضين وفرض السيطرة الأمنية.
وفي الغوطة الشرقية، التي كانت واحدة من أبرز معاقل المعارضة، ترأس داغستاني اللجنة الأمنية المسؤولة عن تنفيذ بنود "المصالحة"، والتي أفضت إلى تهجير الآلاف وملاحقة المئات من شبان المنطقة بعد استسلامهم.
سقوط النظام.. وتغير المشهد
جاء اعتقال داغستاني بعد نحو أربعة أشهر من سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/ 2024، إثر تحولات سياسية وعسكرية متسارعة أفضت إلى سيطرة حكومة انتقالية مدعومة من قوى مدنية وعسكرية مناوئة للنظام السابق.
ومنذ 26 ديسمبر، أطلقت الإدارة الجديدة حملة أمنية ضد شخصيات محسوبة على النظام السابق، ووفق بيانات رسمية، فقد أُلقي القبض على 587 مطلوباً حتى بداية ينايرـ من بينهم ضباط أمنيين وسجانين.
وكان من أبرز هؤلاء، أوس سلوم، المعروف بلقب "عزرائيل صيدنايا"، الذي تم توقيفه مطلع يناير في أحد أحياء حمص، بعدما اتُّهم بالإشراف المباشر على عمليات تعذيب وإعدام معتقلين داخل السجن ذاته.