بين اتهامات بالتقصير وعدم تطبيق معايير وإجراءات الأمن والسلامة، وانتقادات حادة لتعذيب الحيوانات وتجويعها من أجل إمتاع الجمهور، وتضارب المسؤوليات بين الجهات المتخصصة حول تبعية إصدار تصاريح حيازة الحيوانات الخطرة، تباينت التعليقات وردود الأفعال على الواقعة الصادمة لعرض سيرك منطقة البوريفاج في طنطا بمحافظة الغربية.
 

شهادة الضحية
   
قال ضحية هجوم "نمر طنطا" البسطاويسي (22 سنة)،التي أدت إلى بتر ذراعه اليسرى، إن النمر المفترس ظل يلتهم ذراعه مدة 45 ثانية، قائلاً إنه تعرض لأكثر تجربة مؤلمة وقاسية في حياته وصدمة بالغة بسبب عدم لجوء المدربة ومنظمي العرض لاستخدام وسائل الإنقاذ الدفاعية المتعارف عليها أثناء الهجوم عليه من النمر الأبيض المفترس

وأوضح أنه وقع ضحية للإهمال وسوء الإدارة. 

وتابع "النمر ظل يلتهم ذراعي مدة 45 ثانية من دون أن يتحرك أحد لإنقاذي سواء باستخدام المسدسات النارية أو طلقات الخرطوش أو خراطيم المياه أو طفايات الحريق أو قناص المخدر أو الشوك المسننة"، مشيراً إلى أن المتعارف عليه في إجراءات السيرك حصول اثنين من الموظفين على ترخيص سلاح، وكذلك حصول ثلاثة عمال على "شوك" ذات طعنات مدببة لإبعاد الحيوانات في لحظات الهجوم على البشر، ولكن لم تُستخدم هذه الوسائل في حالته.

وعزا الضحية السبب وراء تجاهل الوسائل الدفاعية، إلى ارتفاع سعر النمر الأبيض وندرته، إذ يصل سعره إلى 100 ألف دولار، مما جعل المدربة لا تلجأ إلى هذا التصرف خشية على الحيوان بسبب ارتفاع ثمنه، ولفت إلى أنه فوجئ أن من يحاولون الإنقاذ هم جمهور العرض، وأحد العمال يدعى عم رمضان، مضيفاً "الواقعة مليئة بالأخطاء الفنية من قبل المسؤولين عن العرض ولن أترك حقي وسأحصل عليه بالقانون".

وعن دوره في العرض، قال إنه يتمثل في مساعدة المدرب وربط الحيوانات المفترسة أثناء العرض، مشيراً إلى أن الحلبة كان يوجد فيها خمسة نمور وأسد "والمفترض أن يكون هناك مساعد مدرب يمسك شوكة وراء كل حيوان لربطه أثناء إعطاء المدرب ظهره حتى لا يهجم عليه الحيوان. 

ما حدث أن المدربة أخافت النمر الأبيض بالكرباج، على رغم أنه لم يكن من المفترض أن يمر أمامي، وكان يفترض على المدربة أن تشغل النمر الأبيض لحين ربط النمر الأصفر عقب انتهاء فقرته، وحدث الهجوم آنذاك نتيجة هذا الخطأ".
 

فيديوهات وتعليقات

وأظهرت فيديوهات لحظات فزع ينتاب الحضور خلال عرض في سيرك إثر مهاجمة نمر أحد العاملين في مدينة طنطا.

https://x.com/i/status/1907434415510192141
https://x.com/i/status/1907375761075376283
https://x.com/i/status/1907380719317348817

كما ظهر البسطويسي في فيديوهات ما بعد الحادثة وهو مبتور الذراع ومصابًا بيده الأخرى على سرير المستشفى بعد إصابته بهجوم نمر عليه أثناء تقديم عرض للجمهور.
https://x.com/AJA_Egypt/status/1907798950586843413

وكتب الدكتور مصطفى جاويش : "هذا الشاب الذى تم بتر ذراعه والتى قضمها الأسد، يرقد فى مستشفى طنطا حيث الحجرة و السرير والمفروشات تكشف حال الرعاية الصحية والتى يطلب وزير الصحة أن نشكر الدولة عليها ".
https://x.com/drmgaweesh/status/1907920134423122414

وقال معاذ قبل يومين في طنطا بمصر كان في عرض سيرك في أيام العيد ومن العرض فقرة أسود ونمور تدربهم امرأة، لكن فقدت السيطرة عليهم وتحول العرض لرعب وفي أسد عض وبتر ذراع أحد العاملين بالسيرك!!!"
https://x.com/i/status/1907734510910767557
 

انعدام إجراءات السلامة وتعذيب الحيوانات
   وفي شأن منظومة الأمن والسلامة داخل عروض السيرك، قالت رئيس مؤسسة حماية الحيوان (جهة حقوقية)، حنان دعبس، إن عروض السيرك في مصر تفتقر إلى أبسط معايير وإجراءات الأمن والحماية سواء للعاملين بالسيرك أو الزائرين الحاضرين للعرض، كذلك يتعامل القائمون على السيرك بوحشية وانعدام معاني الرحمة والإنسانية مع كل الحيوانات البرية وأكثر ما يشغلهم هو "الترفيه والتسلية"، مشيرة إلى أن معظم مدربي الحيوانات المفترسة في السيرك يتعمدون تجويع الحيوانات وإحراقهم بالنيران وتخويفهم من أجل تنفيذ التعليمات المطلوبة لأداء الحركات البهلوانية أمام الجمهور.

أضافت دعبس أن هناك نحو 18 دولة في العالم أوقفت استغلال الحيوانات المفترسة داخل عروض السيرك، من بينها على سبيل المثال فرنسا وإنجلترا وألمانيا، ولم تعد تقتصر العروض سوى على البشر فحسب، وتابعت "السيرك انتهى في دول العالم المتقدم والمتحضر ولكن لا يزال يستخدم الحيوان كوسيلة للتسلية والترفيه في مصر"، متسائلة "متى نحترم الحيوان ونتوقف عن إهانته وإذلاله؟".
 

واقعة ليست الأولى
   
وتعتبر واقعة هجوم نمر "سيرك طنطا" لم تكن هي الأولى من نوعها بل سبقها عدد من الحوادث المماثلة داخل السيرك على مدى الأعوام الماضية.
ففي نوفمبر عام 1997، التهم أسد شاباً يدعى أحمد محمد سليمان كان يعمل في السيرك، ووظيفته وضع الماء والطعام في أقفاص الأسود، ولم يتبق من الشاب سوى بقايا ملابسه الممزقة.

وعام 1984، وقع محمد الحلو، مدرب السيرك المصري الشهير، ضحية لهجوم أسده "سلطان"، عندما عاقبه وضربه أثناء البروفات نتيجة تقصيره وتهاونه، ومع بداية الفقرة انتقم الأسد وهجم على الحلو فور أن أدار له ظهره، ولم يستطع أحد إنقاذه، فتوفي بعد نقله إلى المستشفى.

وعام 2014، واجه المدرب مدحت كوتة موقفاً كاد يودي بحياته أثناء أحد العروض، عندما اندلعت مواجهة بين أسد أفريقي وآخر روسي داخل القفص بسبب الغيرة، وحاول كوتة التدخل لفض الاشتباك، لكن الأسد الأفريقي باغته بهجوم مفاجئ، ليسقطه أرضاً وانقضت عليه الأسود بصورة جماعية، قبل أن يقتحم المدرب عصام الحلو القفص ويطلق النيران في الهواء، مما أجبر الأسود على التراجع، ونُقل كوتة إلى المستشفى.

كذلك تعرضت فاتن الحلو، مدربة الأسود الشهيرة، لهجوم خطر من أسد ضخم أثناء أحد العروض بسيرك الحلو في طنطا عندما انقض الأسد عليها بصورة مفاجئة أثناء رقصها على إحدى الأغاني، وكاد الأسد يفتك بها، لكن أُنقذت في اللحظات الأخيرة.

وفي نوفمبر عام 2016 لفظ الشاب إسلام شاهين أنفاسه الأخيرة بعد تعرضه لإصابات قاتلة جراء افتراس أسد له خلال عرض للسيرك في قرية الأسد بالإسكندرية.
 

لن تكون الأخيرة
   
ومن جهتها أوضحت الناشطة في مجال البيئة والحيوانات البرية دينا ذو الفقار أن هذه الواقعة لن تكون الأخيرة ووقائع اعتداء الحيوانات المفترسة على البشر داخل السيرك ستكون عرضة للتكرار في المستقبل في حال استمرار عروض السيرك بشكلها الحالي، والنمط الذي تعمل به، والذي يفتقر إلى الإجراءات الاحترازية والحمائية سواء للعاملين داخل الحلبة أو الزائرين أنفسهم. 

ووصفت ذو الفقار استغلال الحيوانات في عروض السيرك بالجريمة "التي ينبغي إيقافها فوراً، وإتاحة المجال لاستغلال الحيوانات في أماكن مفتوحة مقابل رسوم مالية للزائرين"، موضحة أن إدخال الحيوانات في مجال العروض الترفيهية عبر السيرك زاد من احتمالات وقوع حوادث افتراس. 

ولفتت إلى أن الحيوانات التي تُستخدم في عروض السيرك ملك المدربين الذين يؤجرون الخيام لإقامة أماكن العروض من وزارة الثقافة المصرية، مشيرة إلى أن هناك 17 سيركاً في مصر يمتلكها مدربو الحيوانات الخطرة، في وقت تتولى نقابة الفنانين إصدار التصاريح اللازمة لمدربي السيرك، وهو أمر يشكل مأساة كبرى، متسائلة "ما علاقة نقابة الفنانين بعروض السيرك ولماذا تمنحهم التصاريح؟".
 

البرلمان يدخل على خط الأزمة
   ودخل البرلمان على خط الأزمة، إذ تعالت الصيحات والنداءات البرلمانية المطالبة بمراجعة إجراءات السلامة داخل عروض السيرك المصرية.

وتقدمت البرلمانية المصرية ريهام عفيفي بطلب مناقشة عامة حول الإجراءات التي تُتخذ من قبل الجهات المعنية بالدولة للرقابة على أعمال السيرك، وقواعد السلامة المهنية المتبعة أثناء العروض التي تقدم للجمهور في مختلف المحافظات، وسألت عن دور وزارة الثقافة في متابعة ومراجعة إجراءات السلامة المهنية للعاملين بالسيرك، وكذلك عدم وجود سيارة إسعاف ثابتة خلال فترة العروض التي يقدمها السيرك.