يشهد المشهد الإعلامي في مصر تحت حكم نظام الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي تراجعاً غير مسبوق في حرية التعبير، حيث تحتل مصر المرتبة 166 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2024 وفقاً لتقرير "مراسلون بلا حدود".
وقد أغلقت السلطات المصرية منذ 2013 أكثر من 500 موقع إخباري، بينما يقبع حالياً أكثر من 60 صحفياً خلف القضبان وفقاً لبيانات منظمة "اللجنة لحماية الصحفيين". هذه الأرقام تكشف حجم القمع المنظم الذي تمارسه حكومة الانقلاب ضد وسائل الإعلام المستقلة.
في الجانب المالي، يخضع القطاع الإعلامي لسيطرة شبه كاملة من قبل أجهزة الدولة والمؤسسة العسكرية، حيث تستحوذ المؤسسات التابعة للجيش على أكثر من 60% من سوق الإعلام المرئي والمسموع.
وقد أنفقت الحكومة المصرية ما يزيد عن 5 مليارات جنيه خلال عام 2024 فقط على القنوات التلفزيونية الموالية، بينما تعاني وسائل الإعلام المستقلة من حصار ممنهج يصل إلى تجميد أموالها ومصادرتها.
هذا الوضع يأتي في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من أزمة حادة، حيث تجاوز الدين العام 95% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول فبراير 2025.
تحول الإعلام المصري إلى أداة دعائية لحكومة الانقلاب، حيث تخصص القنوات الرسمية أكثر من 80% من وقت بثها لتغطية أنشطة المسؤولين الحكوميين والعسكريين، وفقاً لدراسة أجرتها "مؤسسة حرية الفكر والتعبير".
في المقابل، يتم تجاهل القضايا الحساسة مثل الفساد الحكومي أو انتهاكات حقوق الإنسان، حيث سجلت منظمات حقوقية أكثر من 300 حالة اعتقال تعسفي خلال النصف الأول من 2024 فقط بسبب التعبير عن الرأي على منصات التواصل الاجتماعي.
أدت سياسة القروض الخارجية المتهورة التي انتهجها نظام السيسي إلى تفاقم أزمة الإعلام المستقل، حيث تم توجيه أكثر من 20 مليار دولار من القروض الدولية نحو مشروعات بنية تحتية غير منتجة بينما يتم تجويع القطاعات الإعلامية والثقافية.
وتشير بيانات البنك المركزي إلى أن الإنفاق على الإرشاد والتوجيه المعنوي (الذي يندرج تحته تمويل الحملات الإعلامية الحكومية) زاد بنسبة 300% منذ 2013، بينما انخفضت ميزانية التعليم العالي والبحث العلمي إلى أقل من 1% من الناتج القومي.
في الجانب التشريعي، أصدرت حكومة الانقلاب أكثر من 15 قانوناً مقيداً لحرية الإعلام منذ 2014، كان آخرها القانون الجديد لتنظيم الصحافة الذي يفرض غرامات تصل إلى 5 ملايين جنيه على ما تسميه الحكومة "الأخبار الكاذبة".
وقد استخدمت هذه القوانين لإغلاق أكثر من 120 مؤسسة إعلامية خلال السنوات الخمس الماضية، بحسب تقارير المنظمات الحقوقية الدولية.
تعكس أزمة الإعلام في مصر الأزمة الشاملة للنظام السياسي، حيث تم تخصيص أكثر من 3 مليارات دولار من القروض الأجنبية خلال عام 2024 فقط لتمويل مشروعات دعائية تهدف إلى تحسين صورة النظام دولياً، بينما يعاني أكثر من 30 مليون مصري من الفقر المدقع.
هذه السياسات التضليلية تكلف الاقتصاد الوطني خسائر فادحة، حيث تشير تقديرات اقتصادية إلى أن القمع الإعلامي والسياسي كلف مصر خسارة أكثر من 15 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العام الماضي فقط.
في الختام، تحول الإعلام المصري من أداة للتعبير الحر إلى وسيلة للترويج لسياسات حكومة الانقلاب، بينما تزداد الفجوة بين الخطاب الإعلامي الرسمي والواقع المعيشي للمواطنين.
ففي الوقت الذي تروج فيه وسائل الإعلام الحكومية لـ"الإنجازات الكبرى"، تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن 65% من الأسر المصرية تعاني من صعوبة في تلبية احتياجاتها الأساسية من الغذاء والدواء حتى فبراير 2025.
هذا التناقض الصارخ يوضح كيف أصبح الإعلام في مصر أداة للتضليل بدلاً من التوعية، في ظل نظام يفضل إنفاق المليارات على الدعاية بدلاً من معالجة الأزمات الحقيقية للشعب المصري.