وسط ما تعيش مصر حاليا حالة غليان شعبي لم يعرف مثلها طوال الخمسين عاما الماضية، وسبب هذا الغليان الرئيسي هو فساد العسكر بالإضافة إلى التعاطف مع أهل قطاع غزة وحرب الإبادة التي يواجهونها، والتجويع الذي يعيشونه بسبب إغلاق المعابر، ومنع دخول جميع المساعدات الغذائية الأخرى، الامر الذي قد يجعل الانفجار وشيكا.
ومع هذا الغليان تتصاعد هذه الأيام ضغوط ضد شعب مصر للرضوخ للمطالب المتعلقة بالتهجير على وجه الخصوص، وانعكست في تصريحات متعمدة ومتكررة للمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، والتسريبات الإعلامية الصهيونية التي تضخّم الخطر الأمني المصري على دولة الاحتلال.
وشن ويتكوف هجوما على مصر في مقابلة مرتبة مع الصحفي الأمريكي الشهير تاكر كارلسون وتجسد في قوله أن مصر تعيش حالة إفلاس، وحالة من الخطر، وربما الانهيار، ونسب إليه قوله أن من جاء بحكم الاخوان المسلمين، يمكن أن يأتي بهم مرة اخرى، وأضاف في تهديد واضح أن نسبة البطالة في أوساط الشباب تصل الى 25 بالمئة، بل لمح بمصير حسن نصرالله وأنه هناك قادة ربما سيلقوا مصيره في تهديد صريح للسيسي.
ما يوقف انهيار مصر؟
وتعليقا على تصريحات إفلاس وانهيار مصر يرى الكاتب الصحفي عبدالباري عطوان أننا لا نجادل مطلقا بمقولة ويتكوف التي تركز على الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها مصر حاليا، ولكننا نؤمن أن هذه الصعوبات هي بسبب اتفاقات كامب ديفيد، وقيود صندوق النقد الدولي، والحصارات الأمريكية والصهيونية الخانقة، وغير المباشرة، التي أوصلت البلاد إلى هذه الهاوية، إلى جانب بعض الأخطاء الإدارية.
وأوضح أن ما يساعد مصر للخروج من أزماتها الاقتصادية هذه ليست المساعدات الأمريكية الهزيلة (3 مليارات دولار سنويا معظمها قطع عسكرية وقطع غيار تستفيد منها الشركات الأمريكية) وإنما الاستثمارات والمساعدات العربية، فدولة الإمارات ضخت 35 مليار دولار في مشروع استثماري في قرية رأس الحكمة في الساحل الشمالي، والسعودية 10 مليارات دولار، وقطر 7 مليارات.
ولفت أن الحملة الصهيوأمريكية الحالية على مصر حاليا تهدف إلى إرهابها وتركيعها، وإرغامها على التعاون بإيجابية مع مشروع التهجير الأمريكي الصهيوني الذي ما زال مطروحا على الطاولة، وتوضع المخططات العملية في الغرف السوداء لتنفيذه.
وأردف قائلا: صحيح أن ويتكوف مبعوث الرئيس ترامب للشرق الأوسط تاجر عقارات ولا يفهم بالسياسة، ولا بالجغرافيا، وليس له علاقة بالتاريخ، ولكنه صهيوني متطرف يرى المنطقة العربية والعالم الإسلامي بعيون نتنياهو، ويردد ما يسمع.
ونوه إلى أن ما يوقف انهيار مصر الذي يبشر به ويتكوف ليس التفريط بأهم فقرة في العمود الفقري للأمن القومي المصري، والقبول بإثم التهجير لأبناء غزة، وإنما بالوقوف بقوة وصلابة في وجه هذا المشروع الإجرامي وحرب الإبادة المتصاعدة في قطاع غزة، والتجاوب مع مشاعر الشعب المصري العظيم الذي يتعاظم غضبه بسببها، والاحتلال الصهيوني لا يتحمل صاروخا واحدا من مصر.
وأكد أن مصر لا تحتاج إلى ثلاثة مليارات دولار مساعدات مسمومة وسنوية أمريكية، تكبل حركتها، وتجعلها ترضخ لبنود اتفاقات كامب ديفيد التي لم يلتزم بها الاحتلال الصهيوني المستفيد الأكبر منها، فهذه المليارات الثلاثة أصبحت قيمتها تحت الصفر بسبب التضخم وعدم زيادتها، بل وجرى الخصم منها، منذ إقرارها قبل 50 عاما تقريبا.
نختم بالقول أن أكثر ما بث الرعب والقلق في كيان الاحتلال وزعزعة أركان المشروع الصهيوني من جذوره حدثان رئيسيان، الأول مصري والثاني فلسطيني:
الأول: هجوم العبور المفاجئ عبر قناة السويس واختراق حائط بارليف في بداية حرب عام 1973 وأدى الى هزيمة صهيونية هي الأضخم في تاريخ المنطقة.
الثاني: هجوم السابع من (أكتوبر) أو “طوفان الأقصى” الذي نقل الحرب إلى عمق الكيان الصهيوني، وأغرقه في حرب استنزاف في قطاع غزة، توسعت ساحاتها الى الضفة الغربية واليمن ولبنان وربما قريبا الى العراق وايران.
جيش الاحتلال يخوض معارك على سبع جبهات ولم يكسب أي منها حتى الآن، وكيف سيكون الحال لو انفجرت الحرب الثامنة والأضخم على الجبهة المصرية؟ لا شيء مستحيل فمن كان يتصور أن يجري تفعيل هذه الجبهة فجأة في حرب رمضان أكتوبر المباركة؟
مصر العظمى تتعرض للابتزاز المهين الذي يجب أن يتوقف فورا، وبكل الطرق والوسائل، لن نفاجأ اذا حصل الرد بقوة، فالجيش الذي خاض حرب العاشر من رمضان هو الجيش نفسه الأكثر قوة وتسليحا حاليا، ونحن نتحدث عن الجوهر والعقيدة والايمان المترسخ، فمصر مثل الفيل الضخم قد يكون بطيء الحركة، ولكن اذا تحرك فانه قد يدمر كل شيء أمامه، واقرأوا التاريخ جيدا، ولا تكونوا مثل ويتكوف ومعلمه، الخبراء في “الريفيرات”.. والأيام بيننا.