خلال الاحتلال الفرنسي للجزائر، استخدمت فرنسا رسومات طفولية لإيصال رسالة واضحة للسكان الأصليين: إما القبول بـ"حماية" فرنسا أو مواجهة الموت. كانت القرى الجزائرية مهددة بالتدمير، وصُوِّرت فرنسا على أنها الخيار الوحيد للبقاء. اليوم، تستخدم إسرائيل المنطق ذاته لتبرير عملياتها في فلسطين، حيث قُتل أكثر من 50 ألف فلسطيني خلال الـ17 شهرًا الماضية، معظمهم من النساء والأطفال، فيما يشير كثيرون إلى أن ما يحدث هو إبادة جماعية.
بدأ التصعيد الأخير بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، حيث اخترق مسلحون فلسطينيون 119 موقعًا داخل إسرائيل، بما في ذلك منشآت عسكرية ومستعمرات، ما أدى إلى مقتل حوالي 1200 إسرائيلي، بينهم مدنيون وعسكريون. وردت إسرائيل بقتل 1609 فلسطينيين في نفس اليوم، بمن فيهم المسلحون الذين قُضي عليهم فورًا، وبعض الإسرائيليين الذين سقطوا نتيجة سياسة "هانيبال" التي تجيز قتل الجنود الإسرائيليين إذا كان ذلك سيمنع أسرهم.
ادعت إسرائيل في البداية أن مسلحي حماس ارتكبوا جرائم مروعة، مثل اغتصاب النساء وقتل الأطفال، ولكن بعض هذه الادعاءات ثبت لاحقًا عدم صحتها. ومع ذلك، استمرت تل أبيب في استخدام أحداث 7 أكتوبر لتبرير قصفها العنيف لغزة والضفة الغربية، متجاهلة قرارات المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية التي اتهمتها بارتكاب جرائم إبادة، إضافة إلى مذكرات التوقيف الصادرة بحق قادتها.
مقارنة مع الاحتلال الفرنسي للجزائر
كما في فلسطين، حاولت فرنسا فرض سيطرتها على الجزائر بالقوة منذ غزوها عام 1830. اعتبر الحاكم الفرنسي الأول للجزائر، المارشال بوجو، أن الأراضي الجزائرية متاحة للمستوطنين الأوروبيين دون اعتبار للسكان الأصليين. وتم التعامل مع المسلمين العرب والبربر على أنهم مجرد خدم أو أعداء يجب إبادتهم، ما دفع فرنسا إلى استخدام أساليب وحشية مثل إعدام المعارضين دون محاكمة، بل وحتى استخدام غرف الغاز البدائية لخنق السكان داخل الكهوف.
وفي مواجهة هذا القمع، نشأت حركات مقاومة مسلحة، مثل جبهة التحرير الوطني (FLN)، التي قادت حرب الاستقلال ابتداءً من 1954، رغم استخدام فرنسا جميع أسلحتها الحديثة، من الطائرات الحربية إلى قنابل النابالم، لإبادة قرى بأكملها.
نهاية الاحتلال الفرنسي وتحذير لإسرائيل
في النهاية، أدركت فرنسا أنها لا تستطيع دمج السكان الأصليين الذين اضطهدتهم لعقود، ولم تعد قادرة على تحمل كلفة الصراع الدائم. ومع ازدياد الضغط الدولي، أصبح من المستحيل الاستمرار في الاحتلال، ما أدى إلى استقلال الجزائر في 1962 وهروب المستوطنين الفرنسيين.
اليوم، يبدو أن إسرائيل تكرر أخطاء فرنسا، حيث تحاول فرض هيمنتها من خلال المجازر والقمع، متجاهلة أن هذا الأسلوب لن يؤدي إلا إلى زيادة المقاومة. إذا استمرت في رفض حل الدولتين، وواصلت العمل على إبادة الفلسطينيين أو طردهم قسرًا، فقد تجد نفسها في وضع مماثل لما كانت عليه فرنسا قبل انسحابها من الجزائر، حين بات الاحتلال مكلفًا بشريًا وسياسيًا إلى درجة لا يمكن تحملها.