فتح إعلان مجموعة هشام طلعت مصطفى القابضةعن انضمام وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي، ووزير الاستثمار الأسبق أشرف سلمان كأعضاء مستقلين لمجلس الإدارة، رغم كونهما من بقايا الفساد في نظام  مبارك، التساؤلات عن إعطاء الجنرال السيسي قبلة الحياة مرة أخرى للظهور في الحياة السياسية والاتصادية والاجتماعية.

إن عودة رجال المال والأعمال التابعين لنظام مبارك  وخاصة يوسف بطرس غالي ليست الأولى حيث شهد شهر سبتمبر من العام الماضي عودة وزير المالية المصري السابق يوسف بطرس غالي إلى المشهد السياسي المصري.

وقد تم إدراج اسم يوسف بطرس غالي، ضمن التشكيل الجديد للمجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية، وفق قرار رئاسي صادر في أغسطس الماضي كشفت عنه وسائل إعلام محلية خلال شهر  سبتمبر 2024، وغيره من الشخصيات السياسية والاقتصادية التابعين لنظام مبارك، لكن قد يكون الموعد مرتبطا بمراجعات صندوق النقد الدولي ليكون رسالة إلى المؤسسات الدولية ومنها صندوق النقد بتمكين القطاع الخاص وتقليل الاعتماد على اقتصاد الجيش.

ثم كان اجتماع رئيس حكومة السيسي مع هؤلاء الفاسدين إلا اعتراف بـ"الغرق" ومحاولة لاستنساخ نظام الرئيس المخلوع الاقتصادي لعودة التوازن بين رجال الأعمال والجيش الذي توغل في الاقتصاد بشكل كبير وهو ما نجح فيه مبارك لمدة تزيد عن 30 سنة للسيطرة على مفاصل الدولة دون تحكم الجيش الذي أصبح يملك المال والسلاح حاليا.
 

استنساخ أفكار مبارك

ورغم أن أفكار مبارك في الماضي كان لها مقومات تساعدها على النجاح غير موجودة في الوقت الحالي، ويعد أهمها توغل الجيش بنسبة كبيرة في الاقتصاد التي لم تكن بنفس النسبة في عهد مبارك، كما كان عدد من المقومات الاقتصادية والأصول التي ساعدته على "خصخصة" تلك الشركات لكسب رجال الأعمال، إلا أن السيسي يريد استنساخ التجربة ليكونو بديلا لمؤسسات الجيش.

أورغم تدخل الاستثمارات الإماراتية والسعودية وكذلك الجيش، ورغم دخول بداية العام ما يقرب من 58 مليار دولار، فشل النظام المصري في تحقيق استدامة أو بناء هيكلية جديدة ولكنه حبس نفسه داخل الهيكلية الهشة لاقتصاد الجيش.

فما يخص فكرة الاستنساخ، فإنها لا تجدي أفكار رجال الأعمال التي تقدموا بها خلال الاجتماع، في ظل النموذج الاقتصادي الحالي، خاصة مع استحالة ترك الجيش لمكتسباته من الاقتصاد المصري بسهولة.
 

صفقات "الكسب غير المشروع"

خلال السنوات الماضية، أبرم النظام المصري، عن طريق جهاز الكسب غير المشروع، عدداً من الصفقات مع رجال أعمال حسبوا على نظام مبارك، واتُهموا بالفساد، بعدما سدّدوا قرابة 11 مليار جنيه قيمة ما حصلوا عليه بطرق غير مشروعة، مقابل التصالح مع الدولة وانقضاء الدعاوى الجنائية المقامة ضدهم، ومنذ إبرام هذه الصفقات انزوى الكثير منهم عن الأضواء حتى لو مارسوا أنشطتهم الاقتصادية بعد تسوية أوضاعهم، لكن الحضور الأكبر كان من نصيب عز ومصطفى، والأخير تحديداً تضاعفت ثروته بشكل لافت نظير حضوره اللافت في القطاع العقاري، وإسناد الدولة للعديد من المشروعات الإنشائية لمجموعته، خصوصاً في المدن الجديدة.

اسم "مباركي" آخر عاد إلى الأضواء من جديد خلال الفترة الماضية، هو يوسف بطرس غالي، وزير المالية الأسبق في عهد الرئيس الراحل، والذي عُيّن العام الماضي عضواً في المجلس التخصّصي للتنمية الاقتصادية التابع لرئاسة الجمهورية، في ظل المحاولات المستمرة للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي عاشتها مصر في السنوات الماضية، على وقع زيادة الدين الخارجي وتراجع قيمة العملة المصرية أمام الدولار الأميركي.

وكان غالي قد غادر مصر عقب اندلاع الثورة مباشرة في 2011، وتم اتهامه لاحقاً بعدة قضايا فساد، من بينها القضية المعروفة إعلامياً بـ"فساد الجمارك"، وقضية "اللوحات المعدنية"، وواجه أحكاماً غيابية للتربّح واستغلاله منصبه، لكنه عاد إلى البلاد بعد حصوله على أحكام بالبراءة. 
 

رجال مبارك يتجددون

لكن استعانة الحكومة الحالية بشخصيات بارزة من النظام السابق ليس بالأمر الجديد، فعلى مدار 11 عاماً، كان الوزراء السابقون من عهد مبارك جزءاً من حكومات عبدالفتاح السيسي، فقد ضمّت الحكومة الأولى في عهده رئيس الوزراء الأسبق، إبراهيم محلب، والذي كان عضواً بارزاً في لجنة السياسات في الحزب الوطني، وكذلك وزير السياحة هشام زعزوع، رجل الأعمال والعضو السابق في لجنة السياسات، ومن الأسماء البارزة التي عادت للأضواء مرة أخرى على مصيلحي، الذي شغل منصب وزير التموين في السنوات الخمس الأخيرة في عهد مبارك، وأسندت إليه الحقيبة مرة أخرى في عام 2017، وغادرها في العام 2024 ضمن تعديل وزاري واسع بالحكومة الثانية لمصطفى مدبولي.

يؤكد الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني هذا التوجه، ويقول إن النظام الحالي لم يستعن فجأة برجال الأعمال ورموز النظام القديم، بل دأب على ذلك منذ تأسيس حكمه في 2014، بداية مع رجلي الأعمال محمد أبوالعينين ومحمد السويدي، وآخرين غيرهم، وهو الذي أصدر العفو عن هشام طلعت مصطفي. 

ويعتبر أن تشكيل مجلس استشاري من رجال الأعمال ورموز النظام القديم هو دليل جديد على فشل السياسات الاقتصادية وما سمي ببرامج الإصلاح الاقتصادي في معالجة الاختلالات الهيكلية، ما اضطرهم للعودة لرجال مبارك أحمد عز وهشام طلعت وآخرين.

"تكشف العودة إلى الحرس القديم لمبارك عن حجم الأزمة الاقتصادية الحالية"، وفق الميرغني، حيث ارتفع  حجم الدين العام في مصر خلال الربع الثالث من 2024 بنحو 6.5% ليصل إلى 13.3 تريليون جنيه مصري (حوالي 274.5 مليار دولار أمريكي)، كما ارتفع الدين الخارجي الحكومي إلى 3.815 تريليون جنيه مصري (حوالي 78.7 مليار دولار أمريكي) بنهاية سبتمبر. ولا تزال مصر تواجه صعوبة في سداد فوائد الديون والمستحقات الخارجية.

وعزا السيسي أسباب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر إلى قلّة التصنيع، واستنزاف الاعتماد على المواد الخام غير المتوفّرة محلياً للاحتياطي النقدي المصري من العملة الصعبة، مبيناً أن مصر تحتاج إلى 20 مليار دولار سنوياً لاستيراد المواد البترولية، ومشيراً أن البلاد في معركة استراتيجية مع نقص الدولار، والقاهرة تستهدف تقليل الاعتماد على الدولار من خلال دعم الإنتاج المحلي وزيادة الصادرات وتقليل الواردات.

وتواجه الحكومة المصرية انتقادات سياسية وبرلمانية لاعتمادها بشكل رئيسي على الاقتراض الخارجي للإنفاق على مشروعات البنية التحتية.

 

هل عودة رجال مبارك ستنقذ السيسي؟

أكد الباحث والكاتب المختص في الشؤون الاقتصادية عبد الحافظ الصاوي أن الأزمة الاقتصادية الحالية ليس لها علاقة بأشخاص أو قدوم أشخاص تابعين للأنظمة السابقة، خاصة أن الوضع الاقتصادي في مصر مزر بسبب سوء التصرف خلال السنوات الماضية وإهدار موارد الدولة.

وأشار الصاوي إلى أن المأزق الذي يعيشه الاقتصاد المصري واضح للجميع، والحل يكمن في خروج الجيش من المعادلة الاقتصادية بشكل كامل وعودة المؤسسات الاقتصادية كالقطاع العام والخاص الوطني وليس الأجنبي.

وأضاف أن وجود الجيش في المعادلة الاقتصادية تسبب في انعدام المنافسة على حساب القطاع الخاص والحكومي، خاصة أن له أولوية في الحصول على المشاريع العامة، ومؤخرا دخل في عمليات استيراد القمح.

واختتم الصاوي حديثه بالقول، إن عودة رجال مبارك وبعضهم موجود بالفعل كهشام طلعت مصطفى وأحمد عز؛ سيكون تحت إدارة الجيش بما لا يفيد الاقتصاد المصري.

وفي مارس2024 ، أقدم البنك المركزي المصري تحرير سعر صرف الجنيه في قرار هو الخامس من نوعه منذ عام 2016، وانخفضت قيمة العملة المحلية أمام الدولار، ليسجل الأخير وقتها 48 جنيها، قبل أن يقترب من حاجز الـ51 خلال الأيام الأخيرة.

ويأتي قرار المركزي في إطار تنفيذ اشتراطات صندوق النقد الدولي لمنح مصر قرض قيمته 8 مليارات دولار، التي تضمنت بجانب تحرير سعر الصرف بيع أصول مملوكة للدولة والجيش.

وارتفعت الديون الخارجية المصرية إلى أكثر من 160 مليار دولار في السنوات الماضية، وتتهم أحزاب المعارضة نظام السيسي بالتسبب في الأزمة الاقتصادية بانتهاج سياسة قائمة على الاستدانة.