يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام واقع سياسي معقد، حيث تسعى بعض الدول العربية، بقيادة مصر، إلى تقديم خطة لإعادة إعمار غزة، في محاولة لمنع تنفيذ مقترح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المعروف بـ "خطة الريفييرا"، التي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين. غير أن هذا الجهد يواجه تحديات سياسية ولوجستية كبيرة.
دور مصر في إعادة الإعمار
تقود إدارة السيسي الجهود لإعادة إعمار غزة، مستغلة موقعها الحدودي المباشر مع القطاع، حيث تسعى إلى تحقيق توازن بين اعتبارات الأمن والاقتصاد الذي انهار بالفعل، وتعمل مع الدول العربية لحشد دعم دولي للمبادرة، وتنظيم مؤتمر لإعادة الإعمار بمشاركة أوروبية واسعة.
تنقسم الخطة إلى ثلاث مناطق إنسانية، تُنشأ فيها مخيمات مؤقتة للنازحين توفر لهم المياه والكهرباء. كما تتضمن إقامة آلاف الكرافانات السكنية والملاجئ المؤقتة لمدة ستة أشهر، بالتوازي مع إزالة الأنقاض، وهي عملية يعرقلها الاحتلال الإسرائيلي حاليًا.
نطاق جهود إعادة الإعمار
يمول المشروع مصادر عربية ودولية، بمشاركة نحو خمسين شركة متخصصة في البناء والتخطيط العمراني. ويهدف المخطط إلى إنشاء مساكن آمنة خلال عام ونصف، مع احتمال تأسيس صندوق عربي لإدارة عمليات التمويل.
تشمل الخطة أيضًا إقامة منطقة عازلة على الحدود بين مصر وغزة لمنع بناء الأنفاق، بالإضافة إلى إنشاء عشرين منطقة سكنية مؤقتة. وقد أعلنت نقابة المهندسين المصريين استعدادها للمشاركة، بالتعاون مع اتحاد المهندسين العرب، مشيرة إلى أن التنفيذ قد يستغرق ما بين ثلاث إلى خمس سنوات، تبعًا لحجم الدعم الدولي.
الاعتبارات الاستراتيجية لمصر
تعتبر مصر غزة قضية أمنية قبل أن تكون سياسية، حيث تحتفظ بملفات تاريخية وأرشيف مفصل حول القطاع وسكانه منذ فترة إدارتها له بين 1948 و1967. يدير هذه الملفات جهاز الاستخبارات العسكرية المصري، الذي ظل يحتفظ بوجود إداري مرتبط بغزة حتى بعد اتفاقات أوسلو.
تتبع الخطة المصرية نهجًا يحافظ على بنية المجتمع الفلسطيني الاجتماعية، حيث سيتم توزيع المساكن المؤقتة بما يضمن بقاء العائلات الممتدة معًا، ثم استبدالها بمبانٍ دائمة حسب ما يسمح به الاحتلال.
العقبات والتحديات
تواجه جهود إعادة الإعمار عقبات عدة، أهمها القيود الإسرائيلية على دخول المواد الأساسية إلى غزة، والتي تشمل منع دخول مواد البناء ذات التطبيقات المزدوجة. كما أن المساعدات الإنسانية ما زالت تخضع للرقابة الإسرائيلية عبر معبر كرم أبو سالم، مع تحديد عدد الشاحنات اليومية الداخلة إلى القطاع بـ 600 شاحنة فقط.
بالنسبة لإدارة السيسي، يمثل هذا المشروع فرصة للحفاظ على نفوذها في الملف الفلسطيني، وتأمين دعم مالي خليجي، وتجنب تهميشها في الترتيبات السياسية بعد الحرب. أما بالنسبة لحماس، فالأمر يتعلق بقدرتها على الصمود السياسي في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية. في حين ترى إسرائيل في المشروع فرصة لإعادة تشكيل غزة وفقًا لمصالحها الأمنية.
يبقى نجاح الخطة مرهونًا بالحفاظ على وقف إطلاق النار، وتعاون دولي مستدام، وغياب أي تصعيد عسكري قد يعرقل التنفيذ.
https://thecradle.co/articles-id/29144