يتمتع القادة الأقوياء بقدرة غير عادية على إثارة الخوف والارتباك والذعر بين حلفائهم وخصومهم، وحتى في الأسواق العالمية، من خلال تصريحاتهم فقط.
كان هذا هو الحال عندما طالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال خطابه في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في 23 يناير، منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) بزيادة إنتاج النفط الخام لخفض أسعاره عالميًا.
وقال ترامب: "سأطلب من السعودية وأوبك خفض تكلفة النفط. عليكم خفضها، وبصراحة، لقد فوجئت بأنهم لم يفعلوا ذلك قبل الانتخابات".
تشير هذه التصريحات إلى تبني واشنطن أجندة جديدة في سياستها المتعلقة بالطاقة، تتبع نهجًا ذا شقين.
- أولاً، تهدف إلى جعل الولايات المتحدة دولة مستقلة في مجال الطاقة، مما يقلل اعتمادها على النفط وغيره من الموارد من الموردين الرئيسيين مثل دول الخليج العربي.
- ثانيًا، تسعى هذه السياسة الجديدة إلى استخدام أسعار النفط كورقة تفاوضية رئيسية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وحل سياسي لإنهاء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.
وقال ترامب: "إذا انخفض السعر، فإن حرب روسيا وأوكرانيا ستنتهي فورًا. حاليًا، السعر مرتفع بما يكفي لاستمرار الحرب".
يبدو أن منطق هذه الاستراتيجية يعتمد على الحد الأقصى لسعر النفط البالغ 60 دولارًا للبرميل، الذي فرضته دول مجموعة السبع على الصادرات الروسية في عام 2022 لمنع مالكي السفن وشركات التأمين وغيرهم من تسهيل نقل أي نفط روسي يُباع بسعر أعلى من هذا الحد.
ومع ذلك، تمكنت موسكو من التحايل على هذه الإجراءات بطرق عديدة، مما جعل من الصعب على الولايات المتحدة والدول الغربية الضغط على الاقتصاد الروسي من هذه الجبهة.
وقال كيث كيلوج، المبعوث الخاص لإدارة ترامب بشأن أوكرانيا وروسيا، في مقابلة مع "فوكس نيوز" الشهر الماضي: "روسيا تحقق مليارات الدولارات من مبيعات النفط. ماذا لو خفضتم السعر إلى 45 دولارًا للبرميل، وهو في الأساس نقطة التعادل الدنيا؟".
معركة السيطرة على أسعار النفط
تتداخل أهداف إدارة ترامب الجديدة، حيث يُنظر إلى محاولتها خفض أسعار النفط عالميًا على أنها قد تتعزز بزيادة عمليات التنقيب والإنتاج المحلي.
إلا أن هذا الهدف المحلي أثار حيرة العديد من المحللين، لأن زيادة إنتاج النفط محليًا مع خفض الأسعار العالمية قد ينعكس سلبًا على شركات النفط الأمريكية، التي ستجد صعوبة متزايدة في تحقيق أرباح إذا انخفضت الأسعار إلى ما دون 50 دولارًا للبرميل، خاصة وأن تكلفة إنتاج البرميل في الولايات المتحدة تتراوح بين 25 و40 دولارًا.
في المقابل، فإن دول أوبك، لا سيما دول الخليج مثل السعودية، تستطيع إنتاج برميل النفط بأقل من 10 دولارات، ما يعني أنه إذا حدثت زيادة كبيرة في الإنتاج وانخفضت الأسعار، فإن هذه الدول ستظل قادرة على تحقيق أرباح، بينما ستعاني الشركات الأمريكية، على الأقل على المدى القصير.
لكن معركة ترامب للسيطرة على أسعار النفط تتجاوز مجرد تحقيق النفوذ في مجال الطاقة أو إنهاء الحرب في أوكرانيا، بل يمكن اعتبارها جزءًا من حرب أوسع تخوضها الولايات المتحدة لفرض هيمنتها عالميًا، والتصدي لأي قوة صاعدة في "الجنوب العالمي".
التصعيد ضد الجنوب العالمي
تشمل الجبهات الأخرى لهذه المعركة تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الدول الأعضاء في مجموعة "بريكس" التي تحاول إنشاء عملة مشتركة، محذرًا من "حرب اقتصادية" ضد أي تحركات تهدد هيمنة الدولار الأمريكي.
لسنوات، تعاملت واشنطن مع روسيا كمنافس جيوسياسي وعسكري، ومع الصين كمنافس اقتصادي وتجاري.
لكن الآن، في ظل إدارة ترامب، امتد هذا النهج ليشمل مؤسسات الأمم المتحدة والوكالات الدولية باعتبارها عقبات قانونية، وأوبك كمنافس للولايات المتحدة في مجال الطاقة.
في هذا السياق، يبدو أن حتى دول مجلس التعاون الخليجي ليست بمنأى عن هذه المواجهة.
ورغم عدم وجود توتر ملموس بين واشنطن ودول الخليج، خاصة السعودية، إلا أن هناك بوادر تشير إلى احتمال حدوث خلافات في المستقبل القريب.
تحاول هذه الدول تجنب أي صدام مباشر مع الولايات المتحدة، ورغم أن السعودية وشركاءها في أوبك ليسوا على استعداد لإغراق الأسواق بالنفط وخفض الأسعار بناءً على أوامر ترامب، إلا أن المملكة سعت إلى استرضاء واشنطن من خلال التعهد باستثمارات بقيمة 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، والتعاون مع الإدارة الأمريكية في محادثاتها مع روسيا.
ومع ذلك، فإن الرياض لا تبدو مستعدة للخضوع لمحاولات واشنطن فرض سيطرتها على سياساتها النفطية، ومن المرجح أن تتعاون فقط مع المقترحات التي تحقق لها مكاسب اقتصادية أيضًا.
المعادلة الصعبة بين واشنطن والرياض
قد تسعى السعودية أيضًا إلى إعادة إحياء جهود إبرام اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة، مقابل استجابة لمطالب إدارة ترامب بشأن سوق النفط، خاصة بعد اضطرارها إلى التخلي عن هذا المسعى خلال إدارة بايدن العام الماضي.
وفي ظل هذه الظروف، يتساءل البعض: هل تستعد السعودية لانهيار البترودولار وهيمنة الدولار الأمريكي؟
https://www.middleeastmonitor.com/20250221-the-us-is-targeting-saudi-arabia-and-the-global-south/