يُتوقع أن تستمر تقلبات الجنيه خلال العام الجاري، لكن عملات تونس والمغرب والجزائر لن تشهد تغيراً يذكر، وفق تقرير حديث من "بي إم آي" وحدة الأبحاث التابعة لـ"فيتش سوليوشنز".

التقرير أشار إلى أن حركة الدولار لها تأثير مباشر على الدينار التونسي والدرهم المغربي، وبدرجة أقل على الدينار الجزائري، لكن الجنيه المصري سيتعرض لضغوط هبوطية إضافية مثل عزوف المستثمرين عن الأسواق الناشئة وارتفاع فاتورة الواردات والأوضاع الجيوسياسية واستحقاق أجل ديون في مارس المقبل.

 

الجنيه المصري يواصل التذبذب

يتوقع التقرير أن يجري تداول الجنيه المصري خلال 2025 في نطاق 50 إلى 55 جنيهاً للدولار على أن يبلغ 52.5 جنيه للدولار بنهاية العام، في ظل عوامل ستعادل تأثير الضغوط الهبوطية مثل موافقة صندوق النقد الدولي على المراجعة الرابعة لبرنامج القرض ونجاح السلطات في إصدارات الديون، وعودة الملاحة لطبيعتها في البحر الأحمر ما سيضيف 400-500 مليون دولار شهرياً إلى إيرادات قناة السويس.

ويواصل الجنيه رسميًا منذ 12 عاما رحلة هبوط من 7 جنيهات عام 2014، إلى 17 جنيهًا في 2016، ثم إلى 18.5 جنيهًا لكل دولار في 2022، ليبلغ سعر الصرف 24.3 نهاية العام، ثم 30 جنيهًا في 2023، ليتجاوز الجنيه المصري حاجز 50 جنيهًا مقابل الدولار لأول مرة، في مارس 2024.

لا تزال مصر تعاني نقصاً في الدولار إذ أن استيراد المواد البترولية وحدها يتطلب 20 مليار دولار سنوياً إلى جانب ما تحتاجه لاستيراد السلع الأساسية الأخرى، حسبما ذكر قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي الأسبوع الماضي الذي اعتبر أن بلاده تخوض "معركة ضد نقص الدولار".

 

"عوامل إيجابية"

وأشار التقرير إلى أن هذا الوضع يأتي في ظل عوامل تعادل تأثير الضغوط الهبوطية مثل موافقة صندوق النقد الدولي على المراجعة الرابعة لبرنامج قرض المليارات الثمانية المقررة في الربيع المقبل، والتي قد تمنح مصر نحو 1.2 مليار دولار، إلى جانب مبلغ مماثل في المراجعة الخامسة المقررة في خريف 2025.

وبلغ إجمالي التزامات مصر تجاه صندوق النقد الدولي 13.2 مليار دولار، ما يتجاوز مجموع ديون 8 دول عربية للصندوق، وهي: الأردن والسودان وتونس والمغرب وموريتانيا والصومال وجيبوتي وجزر القمر، بمقدار 7.2 مليار دولار حتى 5 نوفمبر الماضي، وفقًا لبيانات الصندوق.

وألمح التقرير إلى أن عودة الملاحة الدولية لطبيعتها في البحر الأحمر تضيف (400- 500 مليون دولار) شهريًا لإيرادات قناة السويس، التي خسرت نحو 7 مليارات دولار من إيراداتها وفق تصريحات رسمية، بسبب هجمات الحوثيين من اليمن على السفن المتوجهة إلى الكيان الصهيوني عبر باب المندب.

"فيتش سوليوشنز" لفتت كذلك إلى دور نجاح السلطات المصرية في إصدارات الديون وبالتالي تخفيف الضغوط الهبوطية.

وإصدار الدين هو التزام ثابت لشركة أو حكومة، مثل السند أو سند الدين دون ضمان عيني ((Debenture، كما يشمل إصدار الدين الصكوك والشهادات والرهون العقارية وعقود الإيجار أو أي اتفاقيات أخرى بين المصدر (وهو المُقترض) والمُقرض.

وفي السياق، وقبل أيام، باعت مصر سندات دولية للمرة الأولى منذ 4 سنوات تقريبًا، لسد فجوة تمويلية تقدر بنحو 10 مليارات دولار خلال السنة المالية الحالية (2024-2025) والتي تنتهي يونيو المقبل.

وهو ما يشير وفق "بلومبرج" إلى عودة ثقة المستثمرين الدوليين بديون الدولة الخارجية التي بلغت نحو 155.3 مليار دولار بالربع الثالث من العام الماضي، والتي عانت أزمة مالية خلال السنوات الأخيرة، وسط تفاؤل محللين بأن البلاد ستستفيد من عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض، واتفاق وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" والمقاومة الفلسطينية.

 

"واقع صعب وأزمات متراكمة"

وتعاني مصر شحًا من العملات الأجنبية وخاصة من الدولار، إذ أن استيراد المواد البترولية وحدها يتطلب 20 مليار دولار سنويًا، إلى جانب ما تحتاجه أكبر بلد عربي سكانًا (107 ملايين نسمة) لاستيراد السلع الأساسية الأخرى، حسبما أكد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الأسبوع الماضي، الذي قال إن بلاده تخوض "معركة ضد نقص الدولار".

وتحتاج مصر العملة الصعبة لتوفير السلع الأساسية وخاصة الوقود والغاز والقمح والزيوت والأعلاف والذرة وقطع الغيار والآلات وغيرها، حيث تستورد ما يعادل متوسط 7 مليارات دولار شهريًا، بإجمالي سنوي أكثر من 70 مليار دولار.

وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء سجلت فاتورة الواردات 41.8 مليار دولار بالنصف الأول من 2024، فيما استوردت الحكومة شحنات وقود بقيمة 15.5 مليار دولار خلال العام.

كذلك تعاني مصر - صاحبة ثاني أكبر اقتصاد إفريقي وثاني أكبر اقتصاد عربي - من ارتفاع عجز الحساب الجاري على أساس فصلي بنحو 59.3 بالمئة إلى 5.9 مليار دولار، وانخفاض فائض المعاملات المالية والرأسمالية بنحو 61.6 بالمئة إلى 3.8 مليار دولار.

وفي المقابل، ارتفع الدين العام في مصر خلال الربع الثالث من 2024 بنحو 6.5 بالمئة إلى 13.3 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر، بحسب بيانات وزارة التخطيط المصرية، فيما تشير نسبة الدين العام للناتج المحلي إلى تجاوزه 17 تريليون جنيه خلال العام المالي الحالي، فيما بلغت 89.6 بالمئة بنهاية يونيو الماضي.

وفي السياق، وكشف البنك الدولي الشهر الجاري، أنه يتعين على حكومة مصر سداد 43.2 مليار دولار التزامات ديون خارجية بأول 9 أشهر من 2025، تشمل سداد قروض، وودائع، واتفاقيات مبادلة عملة للبنك المركزي، والبنوك التجارية، وجميعها عبارة عن 5.9 مليار دولار فوائد، و37.3 مليار دولار أصل قروض.

وبينما انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.4 بالمئة في (2023/2024) من 3.8 بالمئة في العام السابق، وفقا لأرقام البنك المركزي، بسبب أزمة العملة الصعبة والحرب في غزة المجاورة، والتي خفضت إيرادات قناة السويس وأبطأت السياحة، أظهر استطلاع لـ"رويترز"، 20 يناير الجاري أن الاقتصاد المصري سينمو بنسبة 4.0 بالمئة في العام حتى نهاية يونيو.

وفي تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي الذي أصدره صندوق النقد الدولي الشهر الجاري، توقع أن ينمو اقتصاد مصر بنسبة 3.6 بالمئة في السنة المالية الحالية وبنسبة 4.1 بالمئة في (2025/2026)، في حين توقع البنك الدولي نموًا بنسبة 3.5 بالمئة هذا العام و4.2 بالمئة في العام المقبل.

 

"معادلة: الإنتاج والتصدير والاستثمار"

وفي قراءته، قال الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي: "ستظل مصر دولة فاشلة اقتصاديًا، وتعاني من أزمات مركبة، إلى أن تصل إلى مرحلة من الإنتاج والتصدير والتوظيف والاستثمار، يسمح لها بالاعتماد على نفسها بشكل كبير".

وأضاف الباحث والكاتب الاقتصادي، المعني بقضايا الاقتصاد الكلي، "وحتى لا تكون في إطار من التبعية للخارج، وأن تظل تحت عباءة الاستدانة المستمرة من المؤسسات الدولية أو السندات الدولية أو القروض الثنائية أو الحصول على مساعدات لها كجانب من جوانب الديون أو الاقتراض"، وفقًا لـ"عربي21".

ويرى أنه "لذلك فإن كل حديث عن أداء الجنيه المصري خلال الفترة القادمة دون أن يكون له سند من الإنتاج والتوظيف والاستثمار فهو حديث عبثي لا يخرج عن لعبة تدوير الديون التي تقوم بها مصر على مدار الفترة من 2014 وحتى الآن".

وأوضح أن "ما تم سداده من قروض بعد صفقة (رأس الحكمة) أو الحصول على بعض القروض الخارجية كان مجرد سداد لقروض مستحقة، وتم الاقتراض بعدها بمبالغ إن لم تقترب مما تم سداده فإنها تشكل عبئًا على الموازنة العامة للدولة وتمثل عبئًا على الأجيال القادمة".

ومضى يقول: "وبالتالي سيظل الجنيه المصري في حالة تراجع بنسب مختلفة قد تكثر أو تقل؛ ولكن الأصل أن العملة المصرية ضعيفة لا تعتمد على ناتج محلي إجمالي قوي، وأن مواردها من النقد الأجنبي ما زالت تعتمد على موارد ريعية مثل قناة السويس أو السياحة أو الصادرات النفطية أو تحويلات العاملين بالخارج أو الاستثمارات غير المباشرة في الديون وفي البورصة المحلية".

 

"الشبح الكامن"

وحول مدى مطابقة تقرير وحدة الأبحاث التابعة لـ"فيتش سوليوشنز"، (بي إم آي)، عن وضع الجنيه، في العام الجاري، للواقع المصري من خلال التزامات مصر المالية الخارجية والداخلية ومداخيلها السنوية، قال الباحث الاقتصادي وائل جمال، إن "وضع الجنيه سيظل قلقًا".

مدير "وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، بـ"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، أوضح أن تلك الحالة مستمرة "طالما لدينا مشكلة في ميزان المدفوعات، وطالما لدينا مدفوعات دين دولارية ضخمة".

ولفت إلى أن "هذا الوضع قائم ولم يتغير كثيرا حتى بعد عقد صفقة (رأس الحكمة) مع الإمارات في مارس الماضي"، مؤكدًا أن معركة نقص الدولار في مصر خلال 2025، متواصلة، وأن "الجنيه سيظل تحت ضغوط كثيرة".

وبين أن "هناك عناصر يشير إليها تقرير (فيتش) وقد تلطف من الوضع بعض الشيء، ومنها كما رأينا تحرك تحويلات المصريين للخارج إلى أعلى، وأنه يمكن مع الاستقرار أن يقود وقف حرب غزة إلى تحسن بعض الشيء بحركة مرور شركات الشحن الدولي بقناة السويس".

لكن جمال، مضى يقول: "لكن طالما لدينا الشبح الكامن والذي يتمثل في مدفوعات الدين الخارجي بين أقساط وفوائد ومتأخرات فبهذا الوضع سيظل وضع العملة المحلية للأسف تحت ضغط، وبالتالي مستويات المعيشة للمصريين تحت ضغط، والتضخم تحت ضغط".