كشف خبراء اقتصاديون أن الاقتصاد الأزرق في مصر يواجه تراجعًا كبيرًا في التمويل، على الرغم من تخصيص 30 مليار دولار لدعمه من قِبل البنك الدولي ومؤسسات التمويل التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، خلال مؤتمر المناخ "كوب 27" الذي عُقد في شرم الشيخ عام 2023.
وأرجع الخبراء هذا التراجع إلى عدة عوامل، أبرزها القيود الأمنية المفروضة على أنشطة الصيد في البحرين الأحمر والمتوسط ونهر النيل، مما أدى إلى عزوف المستثمرين الأجانب عن إقامة مشروعات بحرية في مصر، وتوجههم إلى دول أخرى أكثر مرونة، مثل السعودية التي استقطبت مستثمرين لإنشاء أكبر مزرعة للجمبري.
إشكاليات الاستزراع السمكي
أوضح رجل الأعمال والخبير الدولي في صناعة الأسماك، علي الحداد، أن مصر تمتلك إمكانات هائلة للاستزراع السمكي، حيث ارتفع إنتاجها من 20 ألف طن في نهاية القرن الماضي إلى 1.1 مليون طن حاليًا، إلا أن ضعف حجم التصدير، الذي لا يتجاوز 50 ألف طن سنويًا، يعود إلى غياب الصناعة الحديثة للأسماك المعلبة والمجمدة، مما يجعل مصر تقتصر على تصدير الأسماك الطازجة فقط، وهو ما يمثل 3% فقط من تجارة الأسماك العالمية.
وأشار الحداد إلى البيروقراطية والفساد كعوامل رئيسية تؤدي إلى تعطل الاستثمارات في هذا القطاع، مما يحرم البلاد من الاستفادة الكاملة من مواردها الطبيعية، خاصة في بحيرة السد العالي التي لا يُستغل سوى ثلثي إنتاجها من الأسماك.
عقبات في قطاع النقل البحري واللوجستيات
من جانبه، كشف استشاري النقل الدولي، محمد شيرين النجار، عن وجود تحديات هيكلية تحول دون تحويل مصر إلى مركز عالمي للنقل البحري والخدمات اللوجستية، رغم موقعها الاستراتيجي الفريد.
وأوضح النجار أن القوانين التي تحكم تشغيل الموانئ المصرية قديمة وغير متوائمة مع التطورات العالمية، إضافة إلى وجود تضارب بين الجهات المشرفة على الموانئ، مثل وزارة النقل والبترول والقوات البحرية، مما يؤدي إلى غياب التنسيق ويؤثر سلبًا على كفاءة التشغيل.
وأشار النجار إلى أن اختلاف الرسوم والتعريفات بين الموانئ المصرية يعوق السفن من الاستفادة من الخصومات، ويفقد البلاد ميزة تنافسية كبرى، مؤكدًا ضرورة توحيد القوانين والرسوم لتسهيل الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي.
فرص ضائعة رغم الموقع الاستراتيجي
أكد خالد السقطي، عميد كلية النقل الدولي واللوجستيات، أن مصر تمتلك أكثر من 3 آلاف كيلومتر من الشواطئ، مما يمنحها القدرة على الاستفادة من نحو 60-70% من إجمالي 11.8 مليار طن من البضائع التي تُشحن عالميًا.
كما لفت إلى الفرص الضخمة المتاحة، مثل استثمار الكابلات البحرية التي تنقل 95% من البيانات العالمية، وتطوير مشاريع توليد الكهرباء من المحيطات، واستخراج الأدوية من الكائنات البحرية.
غياب الاستراتيجية القومية للاقتصاد الأزرق
رغم اعتراف الحكومة بأهمية الاقتصاد الأزرق، إلا أن غياب استراتيجية قومية واضحة يعيق تحقيق التقدم المطلوب.
وأكد السقطي أن الحكومة تناقش هذه الاستراتيجية منذ أكثر من عامين، إلا أنه لم يتم إعلانها رسميًا حتى الآن، ما يتسبب في ضياع الفرص الاستثمارية.
وأوصى السقطي بإنشاء هيئة مستقلة تتبع مجلس الوزراء، تكون مسؤولة عن تنفيذ الاستراتيجية والتنسيق بين الجهات المختلفة، على غرار النماذج الناجحة عالميًا.
كما شدد على ضرورة تبسيط الإجراءات البيروقراطية وتوفير بيئة تشريعية جاذبة للاستثمارات البحرية.